loading ..loading
منهج المحكمة الدستورية في التعامل مع الدعوى الدستورية
استقرت أحكام المحكمة الدستورية على أن انعقاد الولاية للمحكمة الدستورية بنظر الدعوى الدستورية والفصل فيها رهن بأن يكون اتصالها بها قد تم وفقاً للأوضاع المقررة. وذهبت المحكمة في العديد من أحكامها الى أنها وإن كانت ليست جهة طعن بالنسبة إلى الموضوع، إلا أن لها أن تستبين وتتحقق من مدى مطابقة قرار الإحالة اليها للقواعد القانونية المقررة. ففي حكمها الصادر في الطعن رقم 3/95 دستوري بتاريخ 19/11/1995 قررت المحكمة الدستورية «أنه لما كان النص في البند (ب) من المادة الرابعة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية على أن (ترفع المنازعات إلى المحكمة الدستورية.. إذا رأت احدى المحاكم أثناء نظر قضية من القضايا، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على دفع جدي تقدم به احد أطراف النزاع، إن الفصل في الدعوى يتوقف على الفصل في دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة توقف نظر القضية وتحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية للفصل فيه) مؤداه أن ولاية المحكمة الدستورية في نظر الدعوى الدستورية والفصل فيها لا تقوم الا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقا للأوضاع المقررة قانوناً، ومنها ألا تقام الدعوى الدستورية إلا بمقتضى حكم صادر من محكمة الموضوع سواء من تلقاء نفسها أو بناء على دفع جدي من أحد الخصوم متى استلزم ذلك الفصل في الخصومة المطروحة، وكان الحكم بإحالة المنازعة الى المحكمة الدستورية هو من مقومات الدعوى الدستورية المتعلقة بالنظام العام التي استوجبها المشرع باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي تغيا به مصلحة عامة، حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية بالاجراءات التي رسمها القانون بما يتعين معه التزامها والا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة». وقد خلصت المحكمة وبالبناء على ذلك إلى عدم قبول الدعوى بسبب بطلان حكم الإحالة تأسيساً على أن أحد أعضاء هيئة محكمة الاستئناف التي أصدرت حكم الإحالة سبق له أن أبدى رأيه في موضوع الدعوى «ومن ثم يكون حكم الإحالة المشار اليه موصوماً بالبطلان إعمالاً لحكم المادتين 102، 103 مرافعات». ومضت المحكمة تقول انه «وان كانت المحكمة الدستورية في ممارستها لاختصاصاتها بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع، الا انه من واجبها، بل عليها، ان تتحقق من صحة الاجراء الذي اتصلت بمقتضاه بالدعوى الدستورية بما لها من سلطة الاشراف على اجراءات الدعوى الدستورية، تكفل لها القيام بالاستيثاق من سلامة تلك الاجراءات ومطابقتها للقواعد التي سنها المشرع لقيامها، نتيجة لا^ثارها القانونية، ومنها ان يكون اتصالها بالدعوى بمقتضى حكم صحيح له وجوده قانونا غير مشوب بالعوار والبطلان وهي أمور تتعلق بالنظام العام تقررها المحكمة من تلقاء نفسها». غير أن المحكمة الدستورية سبق لها أن قررت في حكمها الصادر في الطعن رقم 1/94 دستوري بتاريخ 17/5/1994 أن صدور حكم الإحالة اليها من محكمة غير مختصة لا يؤثر في سلامة اتصال المحكمة في الدعوى الدستورية، تأسيساً على أنها ـ أي المحكمة الدستورية ـ «ليست جهة طعن بالنسبة الى محكمة الموضوع وإنما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون انشائها في مجال الرقابة الدستورية»، وان الدعوى الدستورية «تستقل عن دعوى الموضوع لأنها تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الأصلية الذي تتصل به المنازعة في الاختصاص والتي تستقل تلك المحكمة بالفصل فيها دون المحكمة الدستورية، مما لا يتأتى معه عرض أمر تلك المنازعة وما يتفرع عنها عليها». وخلصت المحكمة إلى أن الدفع بعدم قبول الدعوى يغدو على غير أساس. ويبدو من مطالعة الحكمين اللذين أشرنا اليهما قبل قليل أن ثمة تناقضا في موقف المحكمة الدستورية، فهي وان كانت تقرر في العديد من أحكامها أنها ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع، إلا أنها قررت عدم قبول الدعوى تأسيسا على بطلان حكم الإحالة اليها، كما قررت ايضاً سلامة اتصالها بالدعوى الدستورية حتى وإن صدر حكم الإحالة اليها من محكمة غير مختصة. فهل هناك تناقض في موقف المحكمة الدستورية فعلاً، أم أن المحكمة سلكت نفس النهج في الحكمين المشار اليهما؟ هذا ما سوف نبحثه فيمايلي: التعليق بمقتضى المادة الثامنة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بانشاء المحكمة الدستورية، فوض المشرع المحكمة الدستورية بوضع «لائحة تتضمن القواعد الخاصة باجراءات التقاضي أمامها» كما أنه قرر الإحالة إلى «الأحكام المقررة لدى دائرة التمييز» في كل ما لم يرد بشأنه نص خاص في تلك اللائحة وبما «لا يتعارض مع أحكام هذا القانون أو مع طبيعة العمل في المحكمة الدستورية». ويستفاد من هذا النص أن المشرع قد منح المحكمة الدستورية سلطة واسعة في تقرير قواعد نظر الدعوى الدستورية بغير معقب على قضائها، فلائحة المحكمة الدستورية وقبلها قانون انشائها لم يتضمنا أحكاماً تفصيلية. وباستقراء الأحكام العديدة الصادرة من المحكمة الدستورية، يمكن القول إنها تبنت ثلاث قواعد أساسية هي ركيزة التعامل مع الدعوى الدستورية. القاعدة الأولى: إن الدعوى الدستورية هي دعوى مستقلة عن دعوى الموضوع. والقاعدة الثانية: إن المحكمة الدستورية ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع. أما القاعدة الثالثة: فهي أن للمحكمة الدستورية أن تتحقق من مدى مطابقة القرار الصادر بالإحالة إليها للقواعد القانونية المقررة. وقد عبّر الحكم الصادر في الطعن رقم 1/81 دستوري بتاريخ 11/7/1981 عن قاعدة استقلال الدعوى الدستورية عن دعوى الموضوع وقاعدة ان المحكمة الدستورية ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع على النحو التالي: «ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بطريق الدفع الذي يثار أمام محكمة الموضوع، إلا أنها متى رفعت أمام المحكمة الدستورية فإنها تستقل عن دعوى الموضوع اذ تعالج موضوعاً مغايرا لموضوع الدعوى الأصلية الذي أثير بشأنه الدفع، فلا تتصل المحكمة الدستورية بالدفع إلا بمقتضى قرار الإحالة الذي ينفرد قاضي الموضوع بتقديره وليس للخصوم بعد ذلك أي دور في توجيه الدعوى الدستورية لما لهذه الدعوى من طبيعة خاصة مردها إقرار المشروعية وتحقيق الصالح العام بصرف النظر عن مصالح الخصوم، ومتى رفعت الدعوى أخذت مسارها دون اشتراط لحضور أطرافها او من يمثلهم فيها بطبيعة الحال». وتطبيقا لقاعدة أن المحكمة الدستورية ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع، فقد رفضت المحكمة في ذات الحكم دفعاً بعدم قبول الدعوى لانتفاء الصفة وأسست قضاءها بالقول: «ومن جهة أخرى فعلى الفرض الجدلي بصحة الدفع فإنه تبعاً لقاعدة (قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع) فإن مجال ابدائه أمام قاضي الموضوع الذي كان في مكنته تمحيصه وتقديره والفصل فيه لتعلق ذلك بالدعوى والقواعد القانونية المطبقة عليها وليست المحكمة الدستورية جهة طعن بهذا الصدد وانما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون انشائها». أما عن القاعدة الثالثة وهي حق المحكمة الدستورية بأن تستبين وتتحقق من مدى مطابقة القرار الصادر بالإحالة اليها للقواعد القانونية المقررة، فقد عبر عنها الحكم الصادر في الطعن رقم 4/1998 دستوري بتاريخ 2/5/1998 حيث قررت المحكمة: «أن ولاية المحكمة الدستورية ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لا تقوم إلا باتصالها بالدعوى اتصالاً مطابقاً للأوضاع المقررة قانونا والتي عينتها المادة الرابعة من القانون رقم 14/1973 بانشاء المحكمة الدستورية على مقتضى حكم من محكمة الموضوع بإحالة المنازعة اليها بناء على دفع جدي يقدمه أحد أطراف النزاع أثناء نظره أمامها باعتبار أن سلوك هذا الطريق وإقامة الدعوى الدستورية من خلاله هو من الأمور الاجرائية الجوهرية التي لا يجوز مخالفتها كيما ينتظم التداعي في المسائل الدستورية في اطارها المحدد ووفقا لأحكامها، وقد وضعت تلك الاجراءات على نحو خاص بالنظر إلى خطورة الدعوى الدستورية ونوعيتها المتميزة عن سائر الدعاوى، وإذا كان الدفع بعدم الدستورية الذي تتحرك به الدعوى الدستورية هو أحد مقومات قبول الدعوى الدستورية المتعلقة بالنظام العام فإن من اللازم ابداءه في المناسبة بالأوضاع المقررة قانوناً.. والمحكمة الدستورية وإن كانت ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع إلا أنه من واجبها عن تقديرها لقرار إحالة الدعوى إليها أن تتحقق من صحة الإجراء الذي اتصلت بمقتضاه الدعوى الدستورية ومطابقته للقواعد القانونية التي تجعله منتجاً لا^ثاره، اذ هي الجهة المنوط بها وحدها استظهار توافر شروط قبول الدعوى الدستورية واتصالها بها». وتتفق القواعد التي قررتها المحكمة الدستورية في الكويت مع تلك التي قررتها المحكمة الدستورية العليا في مصر حيث قررت هذه المحكمة ان مباشرة الرقابة القضائية على الدستورية.. «لم يطلقها المشرع من الضوابط التي تنظمها وإنما أحاطها بأوضاع محددة لا تقام الدعوى الدستورية إلا من خلالها باعتبارها من مقوماتها حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية وفقا لها بما لا مخالفة فيه للدستور». (انظر المحكمة الدستورية العليا قضية رقم 1 سنة 15 ق ـ دستورية ـ 7/5/1994). كما قررت المحكمة أن «لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها. ذلك أنهما لا تختلطان ببعضهما ولا تتحدان في اجراءات او شرائط قبولهما، بل تستقل كل منهما عن الأخرى في شكلها وموضوعها». (قضية رقم 25 لسنة 22 ق دستورية 5/5/2001) كما قررت في حكم آخر «أن المحكمة الدستورية العليا ليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، وإنما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون انشائها، ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بعد دفع يثار أمام محكمة الموضوع أو بطريق الإحالة منها إلى المحكمة الدستورية العليا على ما سلف بيانه، إلا أنها متى رفعت إلى هذه المحكمة فإنها تستقل عن دعوى الموضوع لأنها تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الأصلية». (قضية 47 لسنة 3ق ـ دستورية ـ 11/6/1983 ) وإذا كان تبني المحكمة الدستورية في الكويت القواعد الثلاث المتعلقة باستقلال الدعوى الدستورية عن دعوى الموضوع، وبعدم اعتبار المحكمة الدستورية جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، وبأحقية المحكمة الدستورية في فحص مدى مطابقة قرار الاحالة إليها للقواعد القانونية المقررة، يتفق مع طبيعة الدعوى الدستورية وطبيعة المهمة التي تقوم بها المحكمة الدستورية، فإن تطبيقاتها لتلك القواعد مضطربة، حتى إن التناقض بين بعض التطبيقات تناقض بيّـن كما سيتضح بعد قليل. ويمكن القول ان مرجع التناقض هو ضوابط القاعدة الثالثة وهي أحقية المحكمة الدستورية في فحص مدى مطابقة قرار الإحالة إليها للقواعد القانونية، إذ إن بعض تطبيقات هذه القاعدة تقود نحو الالتزام بالقاعدتين الاخريين، في حين أن تطبيقات أخرى تقود نحو إهدارهما. فقد جرى قضاء المحكمة الدستورية «على أن لا يتقدم بالطعن في أية منازعة تتعلق بالدعوى الدستورية إلا صاحب الشأن فيها أو من يفوضه صراحة في ذلك نيابة عنه، بما مقتضاه أنه يجب على الوكيل عن صاحب الشأن أن يكون حاصلاً على تفويض خاص يخوله الدفع بعدم الدستورية، وان يقدم الوكالة التي تبيح له ذلك إلى ما قبل إقفال باب المرافعة وصدور الحكم في الدفع سالف الذكر، والمحكمة الدستورية وان كانت ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع إلا أنه من واجبها عند تقديرها لقرار إحالة الدعوى إليها أن تتحقق من صحة الإجراء الذي اتصلت بمقتضاه بالدعوى الدستورية ومطابقته للقواعد القانونية التي تجعله منتجاً لا^ثاره، اذ هي الجهة المنوط بها وحدها استظهار توافر شروط قبول الدعوى الدستورية واتصالها بها، ومن ثم فإن قضاء محكمة الموضوع في جدية الدفع لا يقيد المحكمة الدستورية إذ لا يعتبر فصلاً في توافر شروط قبولها لعدم تعلقها بشروط انعقاد الخصومة الدستورية». وبناء على ذلك خلصت المحكمة إلى الحكم بعدم قبول الدعوى لأن وكالة محامي الطاعن «خلت مما يفيد نيابة المحامي المذكور في إبداء الدفع بعدم الدستورية» (طعن رقم 4/1998 دستوري 2/5/1998). غير ان المحكمة الدستورية وفي حكم سابق قررت ان الدفع بانتفاء صفة الوكيل لا يقوم على أساس مقبول، وبررت ذلك بقولها: «إن مجرد الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الموضوع لا يعني طرح النزاع أمام المحكمة الدستورية، ذلك أن الدعوى الدستورية دعوى قائمة بذاتها وتختلف طبيعة وموضوعاً عن الدعوى الأصلية المرددة بين الخصوم، ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بطريق الدفع الذي يثار أمام محكمة الموضوع إلا أنها متى رفعت أمام المحكمة الدستورية فإنها تستقل عن دعوى الموضوع إذ تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الأصلية الذي أثير بشأنه الدفع، فلا تتصل المحكمة الدستورية بالدفع إلا بمقتضى قرار الإحالة والذي ينفرد قاضي الموضوع بتقديره وليس للخصوم بعد ذلك أي دور في توجيه الدعوى الدستورية، لما لهذه الدعوى من طبيعة خاصة مردها إقرار المشروعية وتحقيق الصالح العام بصرف النظر عن مصالح الخصوم ومتى رفعت الدعوى أخذت مسارها دون اشتراط حضور أطرافها أو من يمثلهم فيها بطبيعة الحال، هذا من جهة ومن جهة أخرى فعلى الفرض الجدلي بصحة الدفع فإنه تبعاً لقاعدة (قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع) فإن مجال ابدائه أمام قاضي الموضوع الذي كان في مكنته تمحيصه وتقديره، والفصل فيه لتعلق ذلك بالدعوى والقواعد القانونية المطبقة عليها وليست المحكمة الدستورية جهة طعن بهذا الصدد وإنما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون إنشائها على ما سبق بيانه» (طعن رقم 1/81 دستوري 11/7/1981). ولعل التناقض بين الحكمين السابقين واضح، إذ في حين أن المحكمة الدستورية قضت في الحكم الأول بعدم قبول الدعوى تأسيساً على انتفاء صفة الطاعن تطبيقاَ لحقها في فحص مدى مطابقة قرار الإحالة إليها للقواعد القانونية نجدها في الحكم الثاني ترفض الدفع بعدم القبول المؤسس على انتفاء صفة الطاعن بقولها إنها ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع، وإن قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع. وفي نفس سياق هذا التناقض يأتي موقف المحكمة الدستورية في الحكمين محل هذا التعليق، ففي الحكم الصادر في الطعن رقم 1/94 التزمت المحكمة بقاعدة أنها ليست جهة طعن حين قررت أن اتصالها بالدعوى الدستورية عن طريق محكمة غير مختصة بإحالتها لا أثر له على قبولها، كما أنها التزمت بقاعدة استقلال الدعوى الدستورية عن دعوى الموضوع، وان الدعوى الدستورية تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الأصلية، وان المنازعة في الاختصاص تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، وإنه لا يتأتى عرض أمر تلك المنازعة وما يتفرع عنها على المحكمة الدستورية. ويتفق اتجاه المحكمة الدستورية هذا مع اتجاه المحكمة الدستورية العليا في مصر والتي قررت ان«لكل من الدعويين الموضوعية والدستورية ذاتيتها ومقوماتها» وان «الفصل في شروط اتصال الدعوى الموضوعية بمحكمة الموضوع وفقاً للأوضاع المقررة أمامها ليس من بين المهام التي ناطها المشرع بالمحكمة الدستورية العليا». (قضية 25 لسنة 22 ق دستورية 5/5/2001). وتطبيقاً لهذا المبدأ رفضت المحكمة الدستورية العليا دفعاً بعدم قبول الدعوى مؤسس على عدم اختصاص المحكمة التي أصدرت حكم الإحالة ولائيا بنظر الدعوى، وإن انتفاء ولاية المحكمة يؤدي إلى تخلف أحد شروط قبول الدعوى الدستورية، وقالت المحكمة رداً على هذا الدفع «ان المحكمة الدستورية العليا ليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع وإنما هي جهة ذات اختصاص أصيل حدده قانون انشائها. ولئن كانت الدعوى الدستورية لا ترفع إلا بعد دفع يثار أمام محكمة الموضوع أو بطريق الإحالة منها الى المحكمة الدستورية العليا على ما سلف بيانه، الا انها متى رفعت إلى هذه المحكمة فإنها تستقل عن دعوى الموضوع لأنها تعالج موضوعاً مغايراً لموضوع الدعوى الاصلية الذي يتصل به الدفع بعدم الاختصاص ومن ثم تكون محكمة الموضوع، دون المحكمة الدستورية هذا العليا هي صاحبة الولاية في الفصل فيه»، (قضية 47 لسنة 3ق دستورية 11/6/1983). أما ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية في الكويت في حكمها الصادر في الطعن رقم 3/95 دستوري وقضائها بعدم قبول الدعوى تأسيساً على بطلان حكم الإحالة إليها على نحو ما ورد في ذلك الحكم فإنه في تقديرنا تطبيق خاطىء لقاعدة حق المحكمة الدستورية في فحص مدى مطابقة حكم الإحالة للقواعد القانونية، فالمحكمة الدستورية أهدرت في ذلك القضاء قاعدتي استقلال الدعوى الدستورية وإن المحكمة الدستورية ليست جهة طعن، ذلك أن حكم المحكمة الدستورية هذا يعد فصلاً في دعوى الموضوع وإهداراً لقاعدة أخرى سبق أن تبنتها المحكمة الدستورية في الطعن رقم 1/81 المشار إليه قبل قليل وهي أن قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع، ولا يؤثر في هذا أن يجادل البعض في اختلاف طبيعة الدفع بعدم اختصاص المحكمة عن الدفع ببطلان الحكم وتأثير ذلك الاختلاف على قبول الدعوى الدستورية، إذ بصرف النظر عن الاختلاف بين الدفعين، فإنهما متصلان بالدعوى الموضوعية، بما مؤداه استقلال محكمة الموضوع بالفصل فيهما، والقول بغير ذلك يجعل المحكمة الدستورية جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، ويفقد الدعوى الدستورية استقلاليتها. وقد يرى البعض أن ما نقول به يؤدي إلى اغلاق الباب في وجه المحكمة الدستورية وحرمانها من حقها في فحص مدى سلامة اجراءات إحالة الدعوى الدستورية إليها، إلا أن هذا مردود عليه بما تبنته المحكمة الدستورية ذاتها في العديد من أحكامها، فللمحكمة أن «تستبين وتتحقق من مدى مطابقة قرار الإحالة للمحكمة الدستورية للقواعد القانونية المقررة» بما مؤداه أن سلطة المحكمة في الاستبانة والتحقق تنصب على «قرار الإحالة» دون أن تمتد إلى الدعوى الموضوعية وما يتفرع عنها من دفوع، بمعنى أن رقابة المحكمة الدستورية لا تتعدى اجراءات اتصالها بالدعوى الدستورية، وهذا ما عبرت عنه المحكمة الدستورية ذاتها في حكمها الصادر في الطعن رقم 2/94 بتاريخ 21/6/1994 بقولها: «وحيث ان الدعوى الدستورية فإنه نظراً لطبيعتها كدعوى عينية تستهدف التشريع المطعون عليه بالعيب، فقد وضع المشرع إجراءات تحريكها وشروط قبولها والاختصاص بنظرها أمام المحكمة الدستورية ولجنة فحص الطعون على نحو خاص، ولما كانت تلك الإجراءات من مقومات الدعوى الدستورية وأدخل بالتنظيم القضائي فإن ولاية المحكمة الدستورية بالفصل في دستورية القوانين واللوائح لا تنعقد إلا باتباعها لتعلقها بالنظام العام باعتبارها شكلاً جوهرياً في التقاضي قصد به المشرع مصلحة عامة حتى ينتظم التداعي في المسائل الدستورية التي رسمها وإلا كانت الدعوى الدستورية غير مقبولة». الخلاصة يعكس الحكمان محل التعليق أن منهج المحكمة الدستورية في التعامل مع الدعوى الدستورية هو منهج يتسم بالاضطراب، فقد عجزت المحكمة عن الالتزام بقواعد أساسية صاغتها في العديد من أحكامها، وقد عرضنا في هذا التعليق صورتين من صور الاضطراب، الاولى تتصل بالدفع بانتفاء صفة الطاعن حيث اعتبرت المحكمة أن هذا الدفع هو من الدفوع المتصلة بدعوى الموضوع وأعملت قاعدة أن قاضي الموضوع هو قاضي الدفوع، ورفضت ـ بناء على ذلك ـ دفعاً بعدم قبول الدعوى، في حين أنها وفي أحكام أخرى تصدت للدفع وأخذت به إعمالاً لحقها في التحقق من صحة اتصالها بالدعوى الدستورية. أما الصورة الثانية فتتصل بموقف المحكمة الدستورية عن دفع بعدم قبول الدعوى لصدور حكم الإحالة من محكمة غير مختصة، وقد اعتبرت المحكمة أن ذلك لا يؤثر في سلامة اتصالها بالدعوى بحسبان أنها ليست جهة طعن بالنسبة إلى محكمة الموضوع، في حين قررت عدم قبول دعوى أخرى دفع فيها ببطلان حكم الإحالة اليها لأن أحد أعضاء الهيئة التي أصدرت حكم الإحالة سبق أن أبدى رأيه في الدعوى الموضوعية، مهدرة بذلك قاعدة استقلالية الدعوى الدستورية عن دعوى الموضوع وقاعدة أن المحكمة الدستورية ليست جهة طعن بالنسبة لمحكمة الموضوع.