loading ..loading
ملاحظات حول مشروع قانون المطبوعات
ملاحظات حول التقرير الحادي والثمانين
للجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد
عن المشروع والاقتراحات المقدمة من الحكومة
وبعض أعضاء مجلس الأمة
في شأن قانون المطبوعات والنشر

مقدمة

صدر قانون المطبوعات الحالي عام 1961 وقد ادخلت عليه تعديلات متفرقة طوال السنوات الاربعين الماضية، وفي الوقت نفسه كانت تبذل محاولات عديدة لاصدار قانون جديد متكامل، غير ان تلك المحاولات اخفقت لأسباب متنوعة.
وبمطالعة مشروعات القوانين التي قدمتها الحكومة على مر السنوات نجد انها ترجمت لقناعة بضرورة تقييد حرية الصحافة وهناك علامتان بارزتان في افكار الحكومة التي تظهر في مشروعات القوانين التي قدمتها طوال السنوات الماضية -ايا كان من يتولى منصب وزير الاعلام ـ والعلامة الاولى هي الاستمرار في التحكم في منح تراخيص لصدور صحف جديدة وبقاء هذه السلطة بيد مجلس الوزراء دون اخضاع قراره لرقابة القضاء الاداري. والعلامة الثانية هي صلاحية تعطيل الصحف والغاء تراخيصها بوسائل متعددة اي عبر احكام القضاء او بقرارات من النائب العام بناء على طلب وزير الاعلام.
وبتأثير هاتين العلامتين تأتي تفاصيل مشروعات الحكومة والتي تعبر عن فكر مضاد للحرية. غير ان بعض ما سبق تغير وسوف نوضح ذلك بعد قليل:
اما عن الاقتراحات بقوانين المقدمة من بعض اعضاء مجلس الامة فقد كان الطابع العام لها يشير الى فكر يؤيد حرية الصحافة ويسعى الى ضمان استقلاليتها سواء من حيث اجازة رقابة القضاء لمجلس الوزراء في ممارسة سلطة اصدار تراخيص الصحف او من حيث الغاءعقوبة الحبس في بعض جرائم الصحافة غير ان الصياغة القانونية للاقتراحات المقدمة من النواب لم تكن في الواقع تنسجم مع الفكر الذي يفترض انها تعبر عنه، فكان هناك خلط بين الفكر السياسي الداعم لحرية الصحافة وفكر آخر مضاد تسلل الى النصوص في غفلة من اصحاب الاقتراحات ولسنا نغفل القول ان الاقتراحات النيابية تأثرت بعدد من العوامل: فهناك نواب يرغبون في امتلاك صحف وهذا ادى الى اختلاط التشريع العام المجرد بالمصلحة الشخصية، كما ان هناك نوابا تعرضوا لحملات صحفية سابقة جعلتهم يقتربون من أفكار الحكومة، بل ان احد تقارير اللجنة التعليمية في الفصل التشريعي السابق حول مشروع قانون المطبوعات تبنى ـ ولأسباب غامضة الى حد ما ـ أفكار الحكومة وكاد ذلك التقرير ـ نتيجة لتنسيق خفي بين طرف في اللجنة والحكومة ـ ان يحظى بموافقة البرلمان رغم احتوائه على تقليص حرية الصحافة واهدارا لاستقلاليتها.
وقد كان لجمعية الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف اليومية دور مؤثر ادى الى اجبار رئىس اللجنة التعليمية آنذاك على سحب تقريره. ومنذ ذلك الحين اصبح لجمعية الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف اليومية دور ايجابي مبادر وقرروا تقديم اقتراح متكامل لقانون جديد بدلا من الاكتفاء بمراقبة ما يقدم من الحكومة والنواب. وخلال دور الانعقاد الماضي تمت مناقشة الاقتراح الصحفي مع اللجنة التعليمية وكان هناك اتفاق شبه كامل حول المبادىء والتفاصيل غير ان اللجنة التعليمية اصدرت تقريرها الاخير بما يخالف ما تم الاتفاق عليه، وهذا التقرير يحتاج الى وقفة جادة بهدف تنقية ما ورد به من شوائب.
وقبل الدخول في مناقشة تفصيلية لتقرير اللجنة يجدر بنا التعرف على ما طرأ من تغيير في توجهات الحكومة والنواب حول حرية الصحافة.
لقد تقدمت الحكومة بورقة الى اللجنة التعليمية قبل اصدار تقريرها الاخير عدلت فيها شروط اصدار الصحف بأن اشترطت ان تصدر الصحيفة من شركة مساهمة عامة وليس افرادا او شركات من نوع آخر وبشرط ان تطرح 75% من اسهم الشركة للاكتتاب العام والا يقل رأسمالها عن اربعة ملايين دينار والا يزيد مجموع عدد الاسهم التي يملكها اي عضو في الشركة عن 200 الف سهم. كما اجاز اقتراح الحكومة الطعن في قرار مجلس الوزراء برفض اصدار الترخيص للشركات امام القضاء. وقد احتفظت الحكومة بأفكارها الاخرى المضادة لحرية الصحافة وان تم تعديل الاسلوب.
اما بالنسبة للتغيير الذي طرأ على اقتراحات النواب فهو يتجسد في التوجه نحو التوسع في التجريم في اطار التعرض للدين، كما تراجعت اللجنة عن الغاء العقوبات المقيدة للحرية واقتربت من فكر الحكومة وذلك بالنص على امكانية الغاء ترخيص الصحيفة وان كان ذلك عن طريق القضاء.

الملاحظات التفصيلية على
تقرير اللجنة التعليمية

إن الملاحظات التالية تنطلق من فكر يدعم حرية الصحافة ويسعى لضمان استقلاليتها وكذلك تطوير أداء الصحف، وتعتمد الملاحظات على مقارنة ـ في بعض الأحيان ـ مع ما ورد في الاقتراح الصحفي وهي ليست كل الملاحظات وإنما اهمها:
1ـ المادة 2:
«لا تخضع الصحف لأي رقابة مسبقة...».
ان هذا النص يمنع الرقابة المسبقة فقط ومن الأنسب أن يرد النص على نحو يحظر الرقابة المسبقة واللاحقة، وقد كان الاقتراح الصحفي ينص على: «الرقابة على الصحف محظورة...».
2ـ المادة 6:
تحدد هذه المادة الجهة المختصة بنظر الدعاوى الجزائية المنصوص عليها في القانون، وقد أجازت المادة الطعن بالتمييز في الأحكام الصادرة من محكمة الاستئناف وهو اقتراح مقدم من الصحافة والهدف منه منح محكمة التمييز حق الرقابة على الاحكام المتصلة بالصحافة كون تلك الأحكام ذات صلة وثيقة بالحريات، ومحكمة التمييز تقرر مبادئ عامة وبالتالي يصعب مخالفتها، الأمر الذي يوحد توجهات القضاء بدلا من تعددها.
غير أن هذه المادة تشير الى إمكانية الحكم بإلغاء ترخيص الصحيفة، وسوف نتحدث حول هذا الامر لاحقا.
3ـ المادة 11:
لا يزال توجه النواب والحكومة هو ذاته في شأن الرقابة المسبقة على المطبوعات الواردة من الخارج.. وقد لمسنا صعوبة في إلغاء تلك الرقابة فجاء الاقتراح الصحفي مستسلما متضمنا نفس الفكرة.
4ـ المادة 14:
تنظم هذه المادة اصدار تراخيص الصحف، وقد كانت محل اتفاق تام بين اللجنة والاقتراح الصحفي حيث تبنت المادة نظاما مرنا لاصدار التراخيص إذ يتم تقديم الطلب إلى وزير الاعلام الذي عليه أن يتخذ قراره خلال ستين يوما، وإذا انقضت هده المدة ولم يصدر الوزير قراره اعتبر الطلب مقبولا، أما إذا صدر قرار بالرفض فيجب أن يكون مسببا، وفي هذه الحالة يجوز لمقدم الطلب الطعن في قرار وزير الإعلام أمام القضاء الاداري. إن هذه المادة غير مقبولة من الحكومة.
5ـ المادة 15:
تضمنت هذه المادة إلزام المرخص له باصدار صحيفة بتقديم كفالة مالية او ضمان بنكي بمبلغ 100 الف دينار وذلك لضمان تنفيذ الاحكام التي تصدر ضد الصحف حماية لحقوق الغير.
6ـ المادة 20:
بموجب هذه المادة يحظر نشر كل ما من شأنه المساس بالذات الالهية او الملائكة او الرسل او الانبياء او القرآن الكريم او الصحابة او امهات المؤمنين زوجات النبي او المساس بالعقيدة الاسلامية وأحكام الشريعة الاسلامية.
وواضح من نص المادة ان هناك توسعا في التجريم اذا قارنا النص مع النص المقابل الوارد في القانون الحالي او في الاقتراح الصحافي.
واذا كان التوسع في التجريم بشأن القرآن الكريم أو زوجات النبي لا يثير مخاوف، فان تجريم المساس بالعقيدة الاسلامية وأحكام الشريعة الاسلامية يبعث على القلق، اذا ما هي معايير المساس، بالعقيدة واحكام الشريعة؟ ان هذا النص سوف يثير مشاكل عملية كثيرة، فهل انتقاد الفكر الجهادي مثلا يشكل مساسا بالعقيدة واحكام الشريعة؟
اضافة الى ذلك لم تقتصر المادة على تجريم النشر في الصحف والمجلات التي ينطبق عليها قانون المطبوعات وانما شمل التجريم الندوات والكتابة على الجدران او في اي مكان عام وبأي وسيلة من وسائل التعبير وهذا امر يخرج عن نطاق قانون المطبوعات ويدخل في دائرة قانون الجزاء.
7 ـ المادة 22:
تتضمن هذه المادة مجموعة من الامور التي يحظر نشرها وقد تمت اضافة بعض المحظورات بالاتفاق بين الاقتراح الصحافي واللجنة كما تم ضبط الصياغة القانونية لبعض النصوص القديمة ومن المحظورات الجديدة ما يتعلق بنشر الإعلانات المتعلقة بالأدوية والمستحضرات ومراكز العلاج حيث تحظر هذه المادة نشر تلك الاعلانات دون موافقة وزارة الصحة، كما ان من بين المحظورات الجديدة حظر نشر الدعوة الى التبرع دون ترخيص.
غير ان اللجنة اضافت بندا جديدا خطيرا اذ تريد االلجنة منح وزير الاعلام سلطة حظر نشر الاعلانات التجارية التي يرى ضرورة حظر نشرها، وهذا امر يفتح الباب للتعسف بل يجعل وزير الاعلام ممارسا لرقابة مسبقة تتيح له التحكم بالموارد المالية للصحف.
8 ـ المادة 23:
أجازت هذه المادة إصدار حكم قضائي بالغاء ترخيص الصحيفة وان اشترطت ان يكون ذلك بحكم نهائي، كما اجازت تعطيل الصحيفة لمدة لا تزيد على ستة اشهر، واجازت ايضا لرئيس دائرة الجنايات ـ عند الضرورة بناء على طلب النيابة العامة اصدار قرار بإيقاف صدور الصحيفة مؤقتا اثناء التحقيق او المحاكمة لمدة لا تجاوز اسبوعين اذا ما تبين له بناء على ما يعرض علىه، ان ما تنشره الصحيفة يخدم مصالح دولة اجنية او يتعارض مع المصلحة الوطنية للبلاد،
ان هذه المادة تعكس فكرا مضادا لحرية الصحف فهي تجيز الغاء الترخيص كعقوبة وهي فكرة تعني اعدام الصحيفة وهذا توجه مكروه وقديم ويأتي من زمن القمع ولا يخفف من ذلك ان يكون الغاء الترخيص بحكم القضاء فالنصوص المنظمة للحالات التي يجوز فيها الحكم بالغاء الترخيص نصوص مرنة جدا او غير منضطبة وهي من الارتخاء بحيث تجيز للقاضي الغاء ترخيص صحيفة لو انه دان رئيس التحرير بتهمة المساس بالسمعة التجارية لشركة او بتهمة خدش الاداب العامة او المساس بكرامة راقصة.
اما عن سلطة ايقاف صدور الصحيفة مؤقتا فان هذا النص ايضا يعبر عن فكر تسلطي، فما هي المصلحة الوطنية للبلاد؟ ومن الذي يحددها؟
أما عن تعطيل الصحيفة فإن النص يبالغ إذ يجيز الحكم بتعطيل الصحيفة ستة أشهر، فهذا التعطيل يوازي في الواقع إلغاء ترخيص الصحيفة.
9 ـ المادة 24:
تضمنت هذه المادة حكماً جديداً يمنع ما يعرف بدعاوى الحسبة.
10 ـ المادة 35:
تمنح هذه المادة المحكمة في حالة الحكم بالادانة في جرائم المساس بالذات الإلهية والتعرض لشخص الأمير وجميع جرائم النشر الحق بالحكم بإلغاء ترخيص الصحيفة أو تعطيلها.
وإذا كان مقبولا تعطيل الصحيفة في حالة المساس بالذات الالهية والتعرض لشخص الامير فإنه ليس هناك ثمة مبرر لعقوبة الغاء الترخيص ولا مبرر ايضا لعقوبة التعطيل كجزاء لجرائم النشر الاخرى. ان هذه المادة بلا مبالغة تدفعنا إلى القول إن الفكر الذي يقف خلفها هو فكر متخلف قمعي متسلط مناهض لحرية الصحافة.
11 ـ المادة 37:
تنص هذه المادة على نشر الاحكام القضائية الصادرة تطبيقا لقانون المطبوعات. والواقع ان الاحكام دائما ما تتضمن في أسبابها تفاصيل الواقع، فإذا كان الحكم بإدانة رئيس التحرير لنشره ما يتضمن مساسا بالذات الالهية يتضمن العبارات الماسة فهل إعادة نشر تلك العبارات محقق هدفا عاما؟