loading ..loading
بطلان تشكيل المحكمة الدستورية
بسم الله الرحمن الرحيم



دراسة قانونية
حول بطلان تشكيل المحكمة الدستورية وانعدام أحكامها

إعداد
محمد عبدالقادر الجاسم

أكتوبر 2008


مقدمة

من المفترض أن تكون الكويت دولة قانون ومؤسسات دستورية، وإذا كانت مظاهر الخلل والاضطراب السياسي في الواقع تقوض هذا الافتراض، فإن القضاء هو الحصن الحصين والملاذ الأمين والحامي للشرعية وللمشروعية ولحقوق الناس. ومن هنا، وبالنظر لفداحة نتائج أي خلل يصيب أحد أجهزة القضاء من جهة تداعي الثقة العامة وشيوع عدم الاطمئنان بين الناس كافة، فإن المبادرة في إصلاح هذا النوع من الخلل بلا مجاملة أو مواربة، وبلا تقاعس أو مكابرة، هو الخيار الوحيد الذي نملكه جميعا من أجل صيانة أعمدة الدولة ومنع انهيارها وانهيار مؤسساتها وتلاشي الثقة العامة فيها.

وبغير الإخلاص والوضوح، وبغير الجرأة في طرح الرأي، وبغير تغليب اعتبارات المصلحة العامة على ما عداها، وبغير التخلي عن العناد والشخصانية.. لن تنصلح أحوال البلاد.

إن الجهل أو التجاهل، والمكابرة أو العناد، والسكوت عن الحق أو التمادي في الخطأ، لا يجدي في الحفاظ على سمعة المؤسسات الدستورية أو كرامة من ينتسب إليها، بل من شأنه، على العكس من ذلك تماما، أن يستدعي الشك وينتقص من القيمة ويستدرج الانهيار.

وكما قيل بحق "إن ثمار الدساتير ليست وليدة سمتها النظري أو مثالية نصوصها صياغة وموضوعا فحسب، بل هي كذلك، إن لم نقل قبل ذلك، حصيلة الأيدي القائمة على التطبيق...".

وانطلاقا من الإحساس بالمسؤولية العامة، وبحكم التخصص العلمي، أقدم هذه الدراسة الموجزة حول "بطلان تشكيل المحكمة الدستورية وأثر هذا البطلان على أحكامها". وهي تتضمن سببين للبطلان.

السبب الأول يتصل بعدم جواز اختيار أعضاء مجلس القضاء أنفسهم لعضوية المحكمة الدستورية، ووجوب إجراء اقتراع سري لاختيار أعضاء المحكمة الدستورية، وهو الأمر الذي لم يحدث.

أما السبب الثاني فيتصل بعدم صدور مراسيم أميرية بتعيين بعض أعضاء المحكمة.

وأود أن أنوه إلى أنه وإن جاءت هذه الدراسة في أعقاب صدور أحكام المحكمة الدستورية برفض الطعون الانتخابية والتي كنت أحد الذين تقدموا بها، إلا أنه لا صلة لهذه الدراسة بتلك الأحكام أكثر من كونها مناسبة أفرزت هذه الدراسة، تماما كما كانت القرارات التي أصدرتها المحكمة الدستورية في تفسير نصوص الدستور، مناسبة سابقة بالنسبة لي لإبداء الرأي في مضمونها وفي توجهات تلك المحكمة في مقالات نشرتها الصحافة أو في كتب.

وليس لي في هذه الدراسة، أو في غيرها، مقاصد أو أغراض أو منافع خاصة إطلاقا مهما شكك المتضررون من الرأي الوارد فيها. كما أود أن أنوه إلى أن انتقاد المحاكم وأعمالها وأحكامها هو أمر مباح، فلا يجوز ادعاء العصمة والعياذ بالله، ولا زعم القدسية، تحاشيا للنقد. وقد يكون من المناسب هنا التنبيه إلى أنه وعلى الرغم من وجود نص في الدستور يقرر أن ذات الأمير مصونة، إلا أن هذا لم يمنع انتقاد المراسيم الأميرية، ولا أظن أن القضاة في وضع أسمى من غيرهم، وأحكامهم لا تعلو على الانتقاد أبدا.

وحين يسعى القائمون على أي مؤسسة دستورية، أيا كانت، إلى سد المنافذ أمام أضواء انتقادها، وحجب شعاع شمس الحرية وإبداء الرأي في أعمالها.. وحين تلوذ بالعصمة والقدسية خوفا من انكشافها.. وحين تلجأ إلى التهديد والوعيد في مواجهة ما يدور من نقاش حولها، إنما هي تفضح وتعلن على الملأ، بفعلها هذا، ضعفها وارتباكها وهشاشة موقفها. في حين أن المبادرة الذاتية في الاعتراف بالخطأ، والسعي التلقائي إلى تقويمه، هو ما يرفع حتما من شأن تلك المؤسسة ومن مكانة من يقوم عليها.

إن اكتشاف الخلل الجسيم في تشكيل المحكمة الدستورية في غمار الأحكام الصادرة في الطعون الانتخابية الأخيرة، لا يقلل إطلاقا من القيمة القانونية له، كما أن ردة فعل بعض الأطراف المعنية بالموضوع يجب ألا تثنينا عن محاولة إصلاح هذا الخلل مهما تم تحريف الموضوع وإقحام سمعة القضاء في ثناياه أو استخدام حجة حماية سمعة القضاء كذريعة للإبقاء على الخلل ومقاومة الإصلاح.

لقد سبق للمحكمة الدستورية، في تشكيل سابق، أن أصدرت قرارا تفسيريا أجمع الفقه على إدانته واستنكاره، وهو ذلك القرار الذي حمل الرقم "3 لسنة 1986 تفسير" الصادر بتاريخ 14 يونيو 1986، والمتصل بطلب تفسير المادة رقم 173 من الدستور، حيث جاء ذلك القرار كرد فعل من المحكمة على محاولات مجلس الأمة تعديل قانون إنشاء المحكمة الدستورية.

إن الأقدر على القيام بمهمة إصلاح الخلل الجسيم في تشكيل المحكمة الدستورية هم أعضاء المحكمة الدستورية الذين نهيب بهم المبادرة إلى إصلاح الخلل قبل فوات الأوان من خلال تقديم استقالاتهم من عضوية تلك المحكمة وإعادة تشكيلها وفقا للقانون، كما أن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق أعضاء مجلس الأمة ومجلس الوزراء الذين يتعين عليهم استعادة المبادرة بإصلاح القوانين المنظمة للقضاء ومن بينها قانون المحكمة الدستورية.
وكفى بالله حسيبا ورقيبا..

محمد عبدالقادر الجاسم
ماجستير في القانون العام



نص الدراسة
تنص المادة 2 من قانون المحكمة الدستورية على الآتي:

"تؤلف المحكمة الدستورية من خمسة مستشارين يختارهم مجلس القضاء بالاقتراع السري، كما يختار عضوين احتياطيين، ويشترط أن يكونوا من الكويتيين ويصدر بتعيينهم مرسوم.
وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين اختار مجلس القضاء- بالاقتراع السري- من يحل محله ويكون تعيينه بمرسوم".

ويستفاد من النص السابق أنه يلزم، من أجل تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالأصالة أو احتياطا، قيام مجلس القضاء بعملية اختيار أعضاء المحكمة، وأن تتم عملية الاختيار عن طريق الاقتراع السري، وفي النهاية يصدر مرسوم أميري بتعيين من تم اختياره وفقا للإجراءات السابقة.

كما يستفاد من الفقرة الثانية من النص السابق أن الإجراءات السابقة يجب أن تتبع أيضا في حالة خلو محل أحد الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين، وأنه لا يجوز تعيين عضو الاحتياط بالأصالة بشكل تلقائي ومن دون صدور مرسوم أميري.

وحيث أنه لم تتم مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في المادة المشار إليها، فإن التشكيل الحالي للمحكمة الدستورية هو تشكيل باطل، وهو ما يؤدي إلى انعدام الأحكام التي أصدرتها أو تصدرها المحكمة الدستورية بتشكيلها الحالي. وفيما يلي بيان ذلك كله.

أولا
عدم اتباع الإجراءات القانونية
في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية

تنص المادة 2 من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية على الآتي:

"تؤلف المحكمة الدستورية من خمسة مستشارين يختارهم مجلس القضاء بالاقتراع السري، كما يختار عضوين احتياطيين، ويشترط أن يكونوا من الكويتيين، ويصدر بتعيينهم مرسوم.

وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين، اختار مجلس القضاء- بالاقتراع السري- من يحل محله ويكون تعيينه بمرسوم.

ويقوم أعضاء المحكمة الأصليون والاحتياطيون بعملهم بها إلى جانب عملهم الأصلي بدائرة التمييز أو محكمة الاستئناف العليا".

وإذا أردنا أن نبحث مدى قانونية تعيين أعضاء مجلس القضاء لأنفسهم في عضوية المحكمة الدستورية، فإن تفسير هذا النص لا يخرج عن واحد من اثنين:

التفسير الأول: ومفاده أن عضوية المحكمة الدستورية مفتوحة أمام أعضاء مجلس القضاء وأمام غيرهم من المستشارين الكويتيين العاملين في محكمتي التمييز والاستئناف.

التفسير الثاني: ومفاده أن عضوية المحكمة الدستورية قاصرة على المستشارين الكويتيين العاملين في محكمتي التمييز والاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء.

وقبل التعليق على التفسيرين المشار إليهما، يجب الانتباه إلى أن نص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية قد منح مجلس القضاء سلطة اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، كما حدد طريقة الاختيار وهي الاقتراع السري.

شرح التفسير الأول:
يتضح من نص الفقرة الأولى، ومن نص الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، أن المشرع حدد الشريحة التي يتم اختيار أعضاء المحكمة الدستورية من بين أفرادها، وهي شريحة المستشارين الكويتيين العاملين في محكمتي التمييز والاستئناف. وقد يقال أن عمومية النص تكفل لأعضاء مجلس القضاء الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، فهم جميعا ينتمون إلى شريحة المستشارين الكويتيين، وهم جميعا يعملون في محكمة التمييز أو في محكمة الاستئناف، وبالتالي فلا يوجد ما يمنع حصولهم على عضوية المحكمة الدستورية لاسيما مع عدم وجود نص صريح يمنعهم من ذلك. ولو أن المشرع أراد منع أعضاء مجلس القضاء من الحصول على عضوية المحكمة الدستورية لنص على ذلك المنع صراحة.

وبالبناء على ذلك، ونظرا لعدم وجود نص صريح يمنع أعضاء مجلس القضاء من الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، ونظرا لكونهم ينتمون إلى الشريحة التي حددها المشرع، وهي شريحة المستشارين الكويتيين العاملين في محكمتي التمييز والاستئناف، فإنه لا توجد مخالفة قانونية في تشكيل المحكمة الدستورية الحالية حتى مع كون أعضاءها جميعا أعضاء في مجلس القضاء.

شرح التفسير الثاني:
أشرنا إلى أن مفاد التفسير الثاني لنص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية هو أن عضوية المحكمة الدستورية قاصرة على المستشارين الكويتيين العاملين في محكمتي التمييز والاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء. وفي شرحنا لهذا التفسير، الذي نؤيده ونتبناه، سنتولى بيان عدم صواب التفسير الأول الذي يجيز لأعضاء مجلس القضاء الحصول على عضوية المحكمة الدستورية. كما سنبين أن المشرع قصد حصر عضوية تلك المحكمة في شريحة المستشارين الكويتيين من غير أعضاء مجلس القضاء.

أولا: يستفاد من نص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية أن الجهة التي تختار أعضاء المحكمة الدستورية هي مجلس القضاء. كما يستفاد من النص ذاته أن طريقة الاختيار هي (الاقتراع السري).
ثانيا: من الواضح من النص المشار إليه، أن المشرع أراد الفصل بين الجهة التي (تختار) أعضاء المحكمة الدستورية، وهي مجلس القضاء، وبين الشريحة التي (يتم الاختيار من بين أفرادها)، وهي شريحة المستشارين الكويتيين من غير أعضاء مجلس القضاء.

ثالثا: لو أراد المشرع فتح المجال أمام أعضاء مجلس القضاء في الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، لما تردد في النص على ما يفيد جواز أن يتم الاختيار من بين أعضاء مجلس القضاء، كأن ينص مثلا على الآتي: ""تؤلف المحكمة الدستورية من خمسة مستشارين يختارهم مجلس القضاء بالاقتراع السري، من بين أعضاءه أو من غيرهم ..."، لاسيما أن إنشاء المحكمة الدستورية جاء لاحقا لإنشاء مجلس القضاء.

رابعا: قد يقال أن الأصل هو الإباحة والاستثناء هو المنع، وبالتالي فإن تطلب أن ينص المشرع صراحة على حق أعضاء مجلس القضاء في الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، هو تزيد لا محل له، لاسيما مع عمومية نص المادة الثانية المشار إليها. إلا أن هذا القول مردود، ذلك أنه مادام المشرع قد منح مجلس القضاء سلطة اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، فإنه من غير المنطقي أن يتيح المشرع لمجلس القضاء ممارسة هذه السلطة لمصلحة أعضاءه، كما أن كون الاقتراع السري هو طريقة الاختيار، يعني حتما أن يكون الاختيار من غير أعضاء المجلس.

خامسا: لا يمكن هنا القياس مع حالة اختيار رئيس مجلس الأمة من بين أعضاء المجلس، ذلك أنه فضلا عن عدم إمكان تصور اختيار رئيس لمجلس الأمة من غير الأعضاء، فإن المادة 92 من الدستور قد نصت صراحة على أنه "يختار مجلس الأمة في أول جلسة له، ولمثل مدته، رئيسا ونائبا للرئيس من بين أعضاءه..".

سادسا: إن تحديد المشرع لطريقة اختيار أعضاء المحكمة الدستورية، وهي طريقة الاقتراع السري، تفترض التعددية. إن هذه التعددية هي مناط الاقتراع السري، ومن غير المتصور إجراء الاقتراع السري حين تقتصر عضوية المحكمة الدستورية، كأصل، على أعضاء مجلس القضاء، سواء حين كان عدد أعضاءه خمسة أو حين أصبح سبعة أو حتى حين أصبح تسعة أعضاء.

سابعا: من الواضح أن المشرع بنص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية أراد فتح الباب أمام جميع المستشارين الكويتيين، من غير أعضاء مجلس القضاء، الراغبين في الانضمام إلى المحكمة الدستورية، على أن يحسم الاقتراع السري، الذي يجريه مجلس القضاء، الاختيار. وليس من المنطق ولا العقل أن يمنح المشرع أعضاء مجلس القضاء حق ترشيح أنفسهم لعضوية المحكمة الدستورية، ويمنحهم، في الوقت نفسه، حق اختيار أعضاء تلك المحكمة! فلو افترضنا أن خمسة من المستشارين، من غير أعضاء مجلس القضاء، رغبوا في الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، كما رغب فيها أيضا خمسة من أعضاء مجلس القضاء، فهل يمكن لأعضاء مجلس القضاء الخمسة الراغبين في عضوية المحكمة الدستورية أن يقوموا باختيار أولئك الذين ليسوا من أعضاء مجلس القضاء؟! هل يعقل أن يقوم أعضاء مجلس القضاء بالتصويت سرا ضد تعيين أنفسهم على الرغم من ترشحهم للحصول على عضوية المحكمة؟!

ثامنا: إن القول بحق أعضاء مجلس القضاء في الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، يهدر مبدأ المساواة بين المستشارين الكويتيين، حيث تكون فرصة حصول أعضاء مجلس القضاء على عضوية المحكمة الدستورية مضمونة طالما أن أعضاء المجلس هم الذين يقررون تعيين أنفسهم في المحكمة الدستورية من دون دعوة من يرغب من المستشارين الكويتيين، ممن هم خارج عضوية مجلس القضاء، لترشيح أنفسهم، بل حتى لو تم ترشيح غيرهم، أي من خارج مجلس القضاء، فإن كون قرار الاختيار بيد أعضاء مجلس القضاء، يجعل الأمر محسوما لهم حتى بفرض إجراء اقتراع سري.

تاسعا: إن مجرد عضوية مجلس القضاء بذاتها لا تمنح الأعضاء أفضلية شخصية، أو حق التقدم على الغير في الحصول على مناصب أخرى، أو عضوية محاكم أخرى لمجرد كونهم أعضاء في مجلس القضاء، لاسيما أن عضوية مجلس القضاء مقررة لأعضاء المجلس بحكم مناصبهم الإدارية أو أقدميتهم وليس لشخصهم. (ينص قانون تنظيم القضاء الحالي على أن عضوية مجلس القضاء هي لرئيس محكمة التمييز ونائبه ورئيس محكمة الاستئناف ونائبه ورئيس المحكمة الكلية وأقدم اثنين من المستشارين الكويتيين بالإضافة إلى النائب العام ووكيل وزارة العدل). وبالتالي فليس من الجائز ولا من المقبول أن يحصل أعضاء مجلس القضاء على ميزة خاصة يقررونها هم لأنفسهم تجعلهم في وضع أفضل من نظرائهم، مثل الحصول على عضوية المحكمة الدستورية بشكل تلقائي ولمجرد عضويتهم في مجلس القضاء.

عاشرا: حيث أن التشكيل الحالي للمحكمة الدستورية يضم خمسة من أعضاء مجلس القضاء، فإن تشكيل المحكمة يكون قد لحقه البطلان المطلق، وهو بطلان متعلق بالنظام العام. وبهذه المخالفة يكون مجلس القضاء قد خالف النص الآمر الوارد في المادة الثانية من قانون المحكمة الدستورية.

حادي عشر: وباختصار شديد، يمكن القول أن المشرع، في نص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، أراد قصر عضوية المحكمة الدستورية على المستشارين الكويتيين غير الأعضاء في مجلس القضاء، وأنه أسند إلى مجلس القضاء مهمة اختيار أعضاء المحكمة عن طريق الاقتراع السري. ولو تم تفسير المادة المشار إليها على نحو يجيز لأعضاء مجلس القضاء ولغيرهم من المستشارين الحصول على عضوية المحكمة الدستورية، فإن هذا القول يتعارض حتما مع منح المشرع لأعضاء مجلس القضاء فقط، سلطة الاختيار. فلو أن المشرع يريد منح أعضاء مجلس القضاء حق المشاركة في عضوية المحكمة الدستورية فعلا، لامتنع عن منحهم سلطة اختيار الأعضاء، ولمنح هذه السلطة للجمعية العمومية للقضاة كي لا يهدر مبدأ المساواة بينهم.

ثاني عشر: إن الأحكام التي تصدر عن المحكمة الدستورية، بتشكيلها الباطل، هي أحكام منعدمة، أو هي والعدم سواء، حيث سبق لمحكمة التمييز الكويتية أن قررت، وفي العديد من أحكامها أن "الحكم في جوهره هو القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا في خصومة رفعت إليها وفق قواعد قانون المرافعات في محرر مكتوب طبقا لإجراءات خاصة، وكل عيب يعتري الحكم لا يفقده هذه الطبيعة، لا يعدو أن يكون من الشوائب التي تصيب صحته إلى حد قد يبطله؛ أما انعدام الحكم فهو شيء أعنف من ذلك وأمعن في الخروج على القانون، إذ هو مخالفة للقانون لا تقتصر على تعييب الحكم، بل تمتد إلى انعقاده وكيانه، وتعدم أحد أركانه، فتجعله والعدم سواء، كأن يصدر من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا..".

(أنظر طعن رقم 6 تجاري بتاريخ 12 ديسمبر 1973)

كما قررت أيضا إن "انعدام الحكم لا يكون إلا إذا تجرد الحكم من أركانه الأصلية، كأن يصدر من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا..".

(أنظر طعن رقم 6 أحوال شخصية بتاريخ 3 يونيو 1974 وكذلك طعن رقم 5 أحوال شخصية بتاريخ 2 مايو 1977)
(أنظر مجموعة القواعد القانونية التي قررتها محكمة التمييز في المدة من 1 نوفمبر 1972 حتى 1 أكتوبر 1979 الصادرة عن وزارة العدل، محكمة الاستئناف العليا، المكتب الفني).


خلاصة السبب الأول لبطلان تشكيل المحكمة الدستورية
بموجب نص المادة الثانية من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية، يقوم مجلس القضاء باختيار أعضاء المحكمة الدستورية عن طريق الاقتراع السري. ومن الواضح أن هذا النص يمنع قيام أعضاء مجلس القضاء بتعيين أنفسهم كأعضاء في المحكمة الدستورية. وأن اختيار أعضاء المحكمة الدستورية يجب أن يتم من بين المستشارين الكويتيين في محكمتي التمييز والاستئناف من غير أعضاء مجلس القضاء، وأن مهمة مجلس القضاء هي اختيار أعضاء المحكمة. فالمادة الثانية المشار إليها أعلاه تكلف مجلس القضاء بمهمة (اختيار) أعضاء المحكمة الدستورية عن طريق (الاقتراع السري)، فكيف يمكن لمن يكلف بالاختيار بطريق الاقتراع السري، أن يختار نفسه ومن دون اقتراع سري أو علني؟!

لقد أراد المشرع أن يفصل (الجهة التي تختار) أعضاء المحكمة الدستورية، عن (الجهة التي يتم الاختيار منها)، مع ملاحظة أن أعضاء مجلس القضاء هم رؤساء ونواب رؤساء المحاكم إضافة إلى وكيل وزارة العدل والنائب العام وأقدم اثنين من المستشارين الكويتيين، ومن غير الجائز الجمع بين رئاسات المحاكم والجهاز القضائي. كما أن العضوية في مجلس القضاء مقررة لرؤساء المحاكم ونوابهم بحكم مناصبهم، في حين أن عضوية المحكمة الدستورية غير مرتبطة إلا بدرجة مستشار وبشرط الجنسية الكويتية، وبالتالي فلا يجوز أن تفرز عضوية رؤساء المحاكم في مجلس القضاء والمقررة لهم بحكم مناصبهم، عضوية تلقائية شخصية لهم في المحكمة الدستورية، فعضوية المحكمة الدستورية مبنية على اعتبارات لا صلة لها بالمنصب أو الأقدمية، وهي ليست محتكرة على أعضاء مجلس القضاء، والتنافس في الحصول عليها مفتوح بين المستشارين الكويتيين حسب صريح نص المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية، وهو تنافس يحسمه الاقتراع السري الذي يجريه مجلس القضاء كما ورد في القانون.

وبالتالي، وبالنظر لكون جميع أعضاء المحكمة الدستورية، في تشكيلها الحالي، هم أعضاء في مجلس القضاء أيضا، فإن تشكيل المحكمة يكون باطلا بطلانا مطلقا متعلقا بالنظام العام.

وحيث أن رأي محكمة التمييز الكويتية قد استقر دائما على أن الحكم الصادر من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا هو حكم منعدم، أو هو والعدم سواء، فإن استقالة أعضاء المحكمة الدستورية وإعادة تشكيل تلك المحكمة وفق صحيح القانون تكون واجبة. وإلى أن يتم ذلك، فإن أحكام المحكمة الدستورية منعدمة قانونا.



ثانيا
بطلان تشكيل المحكمة الدستورية
لعدم صدور مراسيم أميرية بتعيين بعض الأعضاء

أشرنا من قبل إلى أن المادة 2 من قانون المحكمة الدستورية تنص على الآتي:
"تؤلف المحكمة الدستورية من خمسة مستشارين يختارهم مجلس القضاء بالاقتراع السري، كما يختار عضوين احتياطيين، ويشترط أن يكونوا من الكويتيين ويصدر بتعيينهم مرسوم.
وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين اختار مجلس القضاء- بالاقتراع السري- من يحل محله ويكون تعيينه بمرسوم".

ويستفاد من نص الفقرة الأولى من النص السابق، أن التعيين في المحكمة الدستورية يجب أن يتم بواسطة مرسوم أميري، سواء للأعضاء الأصليين أو الاحتياط بعد الاقتراع السري الذي يجريه مجلس القضاء.
كما يستفاد من نص الفقرة الثانية أن تعيين عضو الاحتياط كعضو أصلي في المحكمة، بعد خلو محل أحد الأعضاء الأصليين بصورة دائمة، لا يتم بشكل تلقائي، بل لابد من صدور مرسوم أميري بهذا التعيين أيضا بعد الاقتراع السري الذي يجريه مجلس القضاء.

كما يستفاد أيضا أن تعيين عضو الاحتياط كعضو أصيل في المحكمة في حالة خلو محل أحد الأعضاء الأصليين، ليس واجبا أو إلزامي، بل يمكن لمجلس القضاء أن يختار العضو الجديد من غير عضوي الاحتياط.
ويستفاد أيضا أن إجراءات تعيين العضو الأصلي الجديد، سواء كان من بين عضوي الاحتياط أو من غيرهما، هي الاقتراع السري الذي يجريه مجلس القضاء ثم صدور المرسوم بتعيينه. أي أنه إذا خلا محل أحد الأعضاء الأصليين في المحكمة الدستورية، يقوم مجلس القضاء باختيار من يحل محله عن طريق الاقتراع السري، سواء من بين الأعضاء الاحتياطيين أو من غيرهم، ثم يصدر مرسوم بتعيينه.

أما في حالة وجود مانع يحول دون قيام أحد أعضاء المحكمة الدستورية بعمله في المحكمة لعارض مؤقت، كالمرض مثلا، أو إذا كان غير صالح لنظر الدعوى وفق المادة 102 من قانون المرافعات، فإن حلول عضو الاحتياط محل العضو الأصلي، في هذه الحالة، يتم من دون الحاجة إلى صدور مرسوم، فهذا الحلول مؤقت ومرتبط بوجود مانع يحول دون اشتراك أحد الأعضاء الأصليين في نظر الدعوى، وهو ليس من قبيل العضوية الأصلية في المحكمة التي لا تتم إلا بمرسوم، كما أن الحلول المؤقت لعضو الاحتياط يسنده أساسا المرسوم الصادر بتعيين عضو الاحتياط. فمهمة عضو الاحتياط هي الحلول مؤقتا محل العضو الأصلي الذي يحول مانع مؤقت دون قيامه بعمله في المحكمة الدستورية. ومن هنا يجب التمييز بين حلول عضو الاحتياط، بصفة مؤقتة، محل العضو الأصلي، وهي الحالة التي لا تستدعي صدور مرسوم، وبين دخول عضو الاحتياط ضمن التشكيل الأصلي للمحكمة بصفة دائمة، وهي الحالة التي تستدعي حتما صدور مرسوم بالتعيين.

ولو أن المشرع أراد حلول عضو الاحتياط، على نحو تلقائي، محل العضو الأصلي حين يخلو منصبه بشكل دائم، لنص على ذلك صراحة، كأن ينص على أنه "وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين، حل محله عضو الاحتياط.."، فلو كان القانون ينص على الحلول التلقائي لما كانت هناك حاجة لقيام مجلس القضاء باختيار عضو بديل بالاقتراع السري، ولما كانت هناك حاجة لصدور مرسوم بتعيين عضو الاحتياط كعضو أصلي في المحكمة، إذ أن الحلول التلقائي هنا يتم بقوة القانون من غير مرسوم. غير أنه لا مجال للاجتهاد مع صراحة النص.

هذا وقد استقر قضاء محكمة التمييز الكويتية في صدد تفسير النصوص القانونية، "أنه متى كان النص واضحا جلي المعنى، فلا يجوز الخروج عليه والأخذ بما يخالفه لما في ذلك من استحداث حكم مغاير لمراد الشارع عن طريق التأويل، كما أن التفسير مشروط بألا يكون فيه خروج على ما تحتمله عبارات النص أو تشويه لحقيقة معناه..".

(أنظر الطعن بالتمييز رقم 477 لسنة 1998 تجاري إداري، صادر بتاريخ 3 مايو 1999)

وعلى الرغم من صراحة النص ووضوح مراميه، فقد يجادل البعض ويقول أنه إذا ما خلا محل أحد الأعضاء الأصليين للمحكمة، وقرر مجلس القضاء اختيار أحد عضوي الاحتياط ليحل محله، فإن الأمر هنا لا يستدعي صدور مرسوم بالتعيين باعتبار أن المرسوم الصادر بالتعيين كعضو احتياط يغني عن المرسوم الجديد، وأن عضوية المحكمة قد ثبتت لعضو الاحتياط بمجرد صدور مرسوم تعيينه كعضو احتياط، وأن صلاحية المرسوم لا تنتهي بل تمتد لتشمل العضوية بالأصالة طالما كان العضو الأصيل الجديد عضوا احتياطيا سابقا.

وللرد على هذا القول نوضح أولا إن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية صريح وواضح ولا مجال معه للاجتهاد كما أشرنا قبل قليل، فهذا النص يستلزم صدور مرسوم بتعيين العضو الأصلي في المحكمة، سواء سبق صدور مرسوم بتعيينه عضو احتياط أو تم اختياره لعضوية المحكمة بالأصالة مباشرة ومن غير المرور في العضوية الاحتياطية، فعضوية المحكمة الدستورية بالأصالة تستلزم دائما صدور مرسوم بالتعيين. كما نوضح ثانيا أن قانون إنشاء المحكمة الدستورية نص على أنها تتألف من خمسة مستشارين وليس سبعة مستشارين، وهو لم يترك اختيار الأعضاء الأصليين من بين السبعة لهيئة المحكمة أو لأي جهة أخرى، مما يعني أن عضوية المحكمة الدستورية نوعان، عضوية أصلية وعضوية احتياطية، وهي مراكز قانونية أنشأها المشرع، وليس هناك من شك في أن المرسوم الصادر بتعيين عضو أصلي أو عضو احتياط، يرتب أثرا قانونيا محددا هو العضوية بالأصالة أو الاحتياطية في المحكمة لمن ورد اسمه في المرسوم قرين صفته، فإذا كان محل المرسوم هو العضوية الاحتياطية، لا يمكن أن يقال أن هذا المرسوم ذاته يصلح من بعد لإحداث أثر قانوني آخر هو عضوية المحكمة بالأصالة أيضا.

من جهة أخرى، فإنه إذا كان الثابت أن عضو الاحتياط لا يصبح عضوا أصيلا في المحكمة بشكل تلقائي وبمجرد خلو منصب أحد الأعضاء الأصليين، وهذا ما يستفاد من صراحة نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية ومن التطبيقات العملية التي أتت بكل من المستشارين فيصل المرشد ويوسف غنام الرشيد كعضوين أصيلين في المحكمة على الرغم من وجود عضوين احتياطيين، فهل تحويل عضوية الاحتياط إلى عضوية أصلية، حتى على فرض جواز التلقائية فيه، لا يحتاج إلى تدخل من جهة ما؟ هل من المتصور عقلا أن يذهب عضو الاحتياط مباشرة إلى منصة المحكمة الدستورية ويجلس كعضو أصلي؟ بالطبع لا. لذلك نسأل من الذي يقرر أي عضو احتياط يحل محل العضو الأصلي الذي خلا محله؟ هل الأمر متروك للاتفاق بين العضوين؟ أم أن مجلس القضاء هو الذي يقرر ويختار أحدهما؟ إن التطبيقات العملية تكشف عن عدم الاعتداد بمعيار الأقدمية في المحكمة الدستورية حيث تم تعيين المستشار فيصل المرشد عضوا أصليا في المحكمة عام 2000 بالرغم من أقدمية عضوي الاحتياط. كما أن ترتيب وردود أسماء أعضاء المحكمة في الأحكام التي تصدرها لا يراعي معيار الأقدمية، وكذلك الأمر بالنسبة لترتيب الجلوس على منصة المحكمة، وبالتالي فإن معيار الأقدمية غير معمول به في رحاب المحكمة الدستورية. ثم، وبصرف النظر عن كيفية المفاضلة بين العضوين الاحتياط، ما هي الأداة القانونية التي تحول العضوية من الاحتياط إلى الأصالة؟ هل يكفي قرار يصدر من مجلس القضاء؟ ما هو السند القانوني لهذا القرار، مع خلو قانون إنشاء المحكمة الدستورية من أي نص يخول مجلس القضاء اتخاذ هذا القرار على انفراد؟

إن عملية اختيار العضو الأصلي في المحكمة الدستورية تمر بمرحلتين: الأولى هي الاختيار الذي يجريه مجلس القضاء عن طريق الاقتراع السري، والثانية هي صدور مرسوم بتعيين من وقع عليه اختيار مجلس القضاء. ولا يمكن أن يتم التعيين في عضوية المحكمة الدستورية مباشرة من قبل مجلس القضاء منفردا، إذ أن أي قرار يتخذه مجلس القضاء هنا ومن دون صدور مرسوم أميري بالتعيين هو بمثابة اغتصاب للسلطة، فمجلس القضاء لا يملك الانفراد في تعيين عضو المحكمة الدستورية. إن تحويل العضوية الاحتياطية إلى عضوية أصلية هو، في الحقيقة والواقع، قرار بتعيين عضو أصلي في المحكمة الدستورية، وليس هناك من شك في أن قرار تحويل عضوية الاحتياط إلى عضوية أصلية لابد وأن يمر بالمرحلتين المشار إليهما. وباختصار شديد نقول إن صلاحية المرسوم الصادر بتعيين عضو الاحتياط لا يمكن أن تتعدى الأثر القانوني المقصود منه وهو العضوية الاحتياطية.

ومن خلال مطالعة مضابط جلسات مجلس الأمة حول دور عضو الاحتياط في المحكمة الدستورية، يتبين لنا صحة ما نذهب إليه، حيث كانت المناقشات تدور حول حالة عدم اكتمال نصاب المحكمة، فتم توضيح أنه لمواجهة هذا الاحتمال يتم تعيين عضوين احتياط، وقد أوضح ممثل الحكومة آنذاك الشيخ سلمان الدعيج هذا الأمر بقوله: "الحكومة أوردت في مشروعها نصا على أساس أن يكون هناك أعضاء احتياطيون، فاعتقد لو أخذ المجلس برأي الحكومة بأن يكون هناك عضوان احتياطيان في حالة غياب أحد أعضاء المحكمة الدستورية، فمشروع اللجنة عالج رئيس المحكمة، ولم يعالج غياب أحد أعضاء المحكمة، ففي هذه الحالة أعتقد إن الأفضل أن يؤخذ بمشروع الحكومة بإضافة بسيطة، يختار مجلس القضاء الأعلى بالاقتراع السري أعضاء المحكمة الخاصة يختار عضوين احتياطيين ويصدر بتعيينهما مرسوم، في هذه الحالة نكون غطينا حالة غياب أحد أعضاء المحكمة، وهناك أيضا سبب ثاني وجيه، فلو مثلا قام مانع لدى أعضاء المحكمة الدستورية، مثلا الموضوع يتعلق بشخصه أو يتعلق بقريب له من الدرجة الأولى، فيجب أن يكون في المحكمة الدستورية عضوان احتياطيان لسد هذه الثغرة...".
هذا، وتشير التطبيقات العملية إلى أنه كثيرا ما كان عضو الاحتياط، في تشكيلات سابقة، المستشار راشد الحماد يحل محل العضو الأصلي الذي يعتذر عن المشاركة في نظر دعوى دستورية أو طلب تفسير، كما كان المستشار كاظم المزيدي يقوم بالشيء ذاته.

ومن خلال تتبع المراسيم الأميرية الصادرة بشأن تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، الأصليين والاحتياطيين، منذ إنشائها في العام 1973 ولغاية أغسطس من العام 2008، يتضح لنا أن البطلان كان يشوب تشكيل تلك المحكمة في مراحل متعددة، وهو بطلان متعلق بالنظام العام، ويؤدي إلى انعدام الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية في فترة بطلان تشكيلها، حيث أن أعضاء احتياط حلوا محل أعضاء أصليين بشكل دائم من دون اتباع الإجراءات التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية التي تنص على أنه "وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين اختار مجلس القضاء- بالاقتراع السري- من يحل محله ويكون تعيينه بمرسوم"، حيث لم يتم اختيارهم بالاقتراع السري من قبل مجلس القضاء، كما لم يصدر مرسوم بتعيينهم أعضاء أصليين في المحكمة، وإنما تم تحويل عضويتهم من عضوية احتياط إلى عضوية أصلية بشكل تلقائي بغير مرسوم على الرغم من صراحة نص الفقرة الثانية المشار إليها الذي يشترط صدور المرسوم.

ومرة أخرى، وعلى الرغم من قناعتنا التامة بأن نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية يستلزم، صراحة، صدور مرسوم أميري بتعيين عضو أصيل في المحكمة الدستورية حتى لو كان قد سبق تعيينه كعضو احتياطي فيها، بما لا مجال معه للاجتهاد في تفسير النص، فإنني أشير إلى وضع نائب رئيس محكمة التمييز من أجل المقارنة. فقانون تنظيم القضاء، يستلزم تعيين رئيس ونائب لرئيس محكمة التمييز، ويصدر بهذا التعيين مرسوم أميري. وعلى الرغم من صدور مرسوم أميري بتعيين المستشار عبدالله العيسى نائبا لرئيس محكمة التمييز بتاريخ 9 يونيو 1991، فقد صدر مرسوم آخر بتاريخ 1 أغسطس 2000 بتعيينه رئيسا لمحكمة التمييز بعد خلو منصب الرئيس. ولم يحل نائب رئيس محكمة التمييز محل الرئيس بعد خلو منصبه بشكل تلقائي بل استلزم الأمر صدور مرسوم أميري، وتكرر الوضع نفسه بالنسبة للمستشار راشد الحماد الذي صدر مرسوم بتعيينه نائبا لرئيس محكمة التمييز بتاريخ 28 يونيو 2002، ثم صدر مرسوم بتاريخ 24 أكتوبر 2004 بتعيينه رئيسا لمحكمة التمييز بعد خلو منصب الرئيس. ومفاد المقارنة السابقة أن حلول نائب رئيس محكمة التمييز محل رئيس المحكمة، بعد خلو منصب الأخير، لا يتم بشكل تلقائي بل لابد من صدور مرسوم أميري بتعيين الرئيس الجديد. وإذا كان الأمر كذلك فإنه، ومن باب أولى، لا يجوز أن تتحول عضوية احتياطية في المحكمة الدستورية إلى عضوية أصيلة بغير صدور مرسوم أميري.

ومن أجل التدليل على بطلان تشكيل المحكمة، نعرض فيما يلي تسلسل المراسيم الأميرية الصادرة بتعيينات المحكمة الدستورية :

(1) في 6 نوفمبر 1973 صدر مرسوم تعيين الأعضاء الأصليين في المحكمة وهم: محمد الرفاعي، عبدالله العيسى، أحمد بوطيبان، حمود الرومي، عبدالله محمد عبدالله.

(2) في 19 يونيو 1976 صدر مرسوم تعيين راشد الحماد عضو احتياط في المحكمة الدستورية.

(3) في 30 يونيو 1981 صدر مرسوم تعيين كاظم المزيدي عضو احتياط في المحكمة الدستورية.

وخلال تلك الفترة، كان كل من المستشار راشد الحماد، والمستشار كاظم المزيدي، يحل محل أي عضو من الأعضاء الأصليين تحول ظروفه دون مشاركته في عمل المحكمة الدستورية.

إلا أنه ومنذ عام 1994، دخل عضو الاحتياط المستشار راشد الحماد في التشكيل الأصلي للمحكمة بديلا عن أحد الأعضاء من دون صدور مرسوم بتعيينه عضوا أصليا في المحكمة.

كما أنه في العام 1995، دخل عضو الاحتياط المستشار كاظم المزيدي في التشكيل الأصلي للمحكمة بديلا عن أحد الأعضاء من دون صدور مرسوم بتعيينه عضوا أصليا في المحكمة.

(4) في 17 ديسمبر 1996 صدر مرسوم تعيين راشد الشراح وصالح الحريتي عضوين احتياطيين في المحكمة الدستورية، وجاء ذلك بعد تحول عضوية المستشارين الحماد والمزيدي من عضوية احتياطية إلى عضوية أصلية بشكل تلقائي ومن دون صدور مرسوم كما أشرنا قبل قليل.

(5) في 24 أكتوبر 2000 صدر مرسوم تعيين فيصل المرشد عضوا أصليا في المحكمة الدستورية بعد خلو محل أحد الأعضاء الأصليين، وقد تم هذا التعيين المباشر على الرغم من وجود عضوين احتياطيين هما المستشارين الشراح والحريتي، حيث تم تخطيهما إما بناء على طلبهما أو من غير ذلك.

(6) في 28 يوليو 2002 صدر مرسوم تعيين يوسف غنام الرشيد عضوا أصليا في المحكمة الدستورية بعد خلو منصب أحد الأعضاء الأصليين، ومرة أخرى تم هذا التعيين المباشر على الرغم من وجود عضوين احتياطيين هما المستشارين الشراح والحريتي، حيث تم تخطيهما إما بناء على طلبهما أو من غير ذلك.

وعلى ضوء تلك التغييرات التي تمت في التشكيل الأصلي للمحكمة الدستورية، فقد استقر الأمر على التشكيل التالي:

المستشار العيسى (عضو في التشكيل الأصلي بموجب مرسوم في العام 1973).
المستشار الحماد (كان عضو احتياط بمرسوم صادر في العام 1976، وأصبح عضو أصلي في العام 1994 من دون مرسوم بتعيينه).
المستشار المزيدي (كان عضو احتياط بمرسوم صادر في العام 1981، وأصبح عضو أصلي في العام 1995 من دون مرسوم بتعيينه).
المستشار الرشيد (أصبح عضوا في التشكيل الأصلي مباشرة بموجب مرسوم في العام 2002).
المستشار المرشد (أصبح عضوا في التشكيل الأصلي مباشرة بموجب مرسوم في العام 2000).

أما الأعضاء الاحتياط فهما المستشار الشراح والمستشار الحريتي بموجب مرسوم صدر في العام 1996.
وبذلك يكون التشكيل السابق للمحكمة الدستورية باطلا حيث أن دخول كل من المستشار الحماد والمستشار المزيدي في التشكيل الأصلي قد تم بغير صدور مرسوم بتعيينهما أعضاء أصليين في تلك المحكمة، مما يؤدي إلى انعدام أحكام المحكمة الدستورية التي صدرت ابتداء من العام 1994.

(7) ويبدو أنه في العام 2003، تم الانتباه إلى هذا الخلل الجسيم، فجرت محاولة لتداركه عن طريق صدور مرسوم أميري جديد تحت عنوان مرسوم في شأن تشكيل المحكمة الدستورية بتاريخ 13 يوليو 2003 تضمن في حقيقته تعيين، أو إعادة تعيين، أعضاء التشكيل القائم فعليا للأصليين والاحتياط وهم كل من: المستشار العيسى والمستشار الحماد والمستشار الغنام والمستشار المرشد والمستشار المزيدي أعضاء أصليين في المحكمة، كما تضمن تعيين المستشارين الشراح والحريتي أعضاء احتياط.

وهنا نطرح السؤال التالي: إذا كانت عضوية المستشار العيسى في المحكمة بالأصالة قد تمت بموجب مرسوم صادر في العام 1973، وإذا كانت عضوية المستشار المرشد بالأصالة قد تمت بموجب مرسوم صادر في العام 2000، وإذا كانت عضوية المستشار الرشيد بالأصالة قد تمت بموجب مرسوم في العام 2002، وإذا كانت عضوية المستشارين الشراح والحريتي كاحتياط قد تمت بموجب مرسوم صادر في العام 1996، فلماذا صدر مرسوم تشكيل المحكمة الدستورية في العام 2003 إن لم يكن لتدارك الخلل الجسيم في عضوية المستشارين الحماد والمزيدي في المحكمة بالأصالة التي تمت من دون صدور مرسوم؟!

فإذا كان هناك من يظن أن عضوية المستشارين الحماد والمزيدي في التشكيل الأصلي للمحكمة الدستورية هي عضوية صحيحة، وأن الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية تجيز تحول العضوية من الاحتياط إلى التشكيل الأصلي من غير حاجة لصدور مرسوم، فلماذا صدر مرسوم العام 2003 في شأن تشكيل المحكمة الدستورية؟ إن المراسيم الأميرية لا تصدر عبثا ومن غير سبب.
وإذا كان هناك من قد يظن أن الهدف من مرسوم 2003 هو إسناد رئاسة المحكمة الدستورية إلى المستشار العيسى الذي حل، في الرئاسة، محل المستشار الرفاعي الذي تقاعد، فإننا نسأل: لماذا لم يقتصر المرسوم على إسناد الرئاسة للمستشار العيسى؟ لماذا أعاد تعيين جميع أعضاء المحكمة الأصليين والاحتياط على الرغم من سبق صدور مراسيم بالنسبة لهم باستثناء المستشارين الحماد والمزيدي؟!

ثم أن إسناد رئاسة المحكمة الدستورية لأحد الأعضاء فيها لا يستدعي صدور مرسوم أميري، فقانون إنشاء تلك المحكمة لم يتطلب هذا الأمر إطلاقا. ومع ذلك، إذا قيل أن رئاسة المحكمة الدستورية لا تتقرر إلا بموجب مرسوم، فلماذا لم يصدر مرسوم بتعيين المستشار الحماد، الرئيس الحالي للمحكمة الدستورية بعد تقاعد المستشار العيسى، رئيسا للمحكمة؟! وهل يمكن القول أن عدم صدور مرسوم بإسناد رئاسة المحكمة الدستورية إلى المستشار الحماد مدعاة لبطلان أحكامها أو انعدامها؟!

وقد يجادل البعض بقوله أنه ما دام تم تعيين المستشار الشراح كعضو احتياط في المحكمة الدستورية بموجب المرسوم الصادر في يوليو 2003 والذي أعاد تعيين الأعضاء الأصليين في المحكمة، فإن هذا المرسوم يكفي بذاته لتحويل عضوية المستشار الشراح من عضوية احتياطية إلى عضوية أصلية. وللرد على هذا الجدل العقيم نقول إن المراسيم الأميرية لا يمكن أن تخالف النصوص القانونية، وقانون إنشاء المحكمة الدستورية ينص على وجوب صدور مرسوم أميري للتعيين في المحكمة الدستورية بالأصالة، كما أن الأثر القانوني لمرسوم يوليو 2003 بالنسبة للمستشار الشراح هو تعيينه عضو احتياط، ولا يمكن أن يتعدى ذلك تحت أي حجة أو ذريعة. بل حتى لو سايرنا هذا الجدل فإن القول بصلاحية المرسوم لإحداث الأثرين (العضوية الاحتياطية ثم العضوية الأصلية) فإن هذا يعني بطلان تعيين كل من المستشار المرشد (عام 2000) والمستشار الرشيد (عام 2002) بالأصالة في المحكمة بسبب صلاحية المرسوم الصادر بتعيين كل من المستشار الشراح والمستشار الحريتي (عام 1996) كأعضاء احتياط، إذ في هذه الحالة تكون العضوية بالأصالة قد تقررت للأخيرين بموجب مرسوم عام 1996!

من جميع ما سبق نخلص إلى أن عضوية المحكمة الدستورية، بصفة أصلية، لا تتحقق إلا بعد اقتراع سري يجريه مجلس القضاء، ثم صدور مرسوم بتعيين من تم اختياره، سواء كان عضوا احتياطيا أو تم تعيينه مباشرة، وبغير صدور هذا المرسوم لا يصبح عضو الاحتياط عضوا أصليا في المحكمة بشكل تلقائي وبمجرد خلو محل أحد الأعضاء الأصليين، والدليل على صحة ما نقرره هنا هو أنه تم تعيين المستشار المرشد عام 2000 كعضو أصلي في المحكمة مباشرة على الرغم من وجود عضوين احتياطيين، وتكرر الأمر ذاته بالنسبة لتعيين المستشار الرشيد كما أشرنا من قبل.

(8) وعلى الرغم من الانتباه إلى الخلل الجسيم في تشكيل المحكمة الدستورية ومحاولة تداركه بموجب المرسوم الصادر في العام 2003، إلا أن المخالفة القانونية الجسيمة تكررت مرة أخرى. حيث أنه، وبعد خلو محل أحد الأعضاء الأصليين في أواخر العام 2004، تم إدخال عضو الاحتياط المستشار الشراح في التشكيل الأصلي الحالي للمحكمة من غير صدور مرسوم بذلك، مما يؤدي إلى بطلان التشكيل الحالي للمحكمة وانعدام أحكامها التي صدرت بمشاركة المستشار الشراح. هذا ومما يلفت النظر أنه وعلى الرغم من إدخال المستشار الشراح في التشكيل الأصلي في العام 2004، فإن تعيين من يحل محله كعضو احتياط لم يتم إلا في 18 أغسطس 2008 حين صدر مرسوم تعيين المستشار خالد سالم عضو احتياط في المحكمة الدستورية.

نخلص من ذلك إلى أن الأحكام التي أصدرتها المحكمة الدستورية اعتبارا من الحكم الصادر في 3 نوفمبر 2004، تاريخ تحول عضوية المستشار الشراح من عضو احتياط إلى عضو أصلي من غير صدور مرسوم بهذا التعيين، هي أحكام منعدمة بسبب صدورها من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا.

فمن المقرر، وبحسب المبادئ التي استقرت عليها محكمة التمييز الكويتية، إن "الحكم في جوهره هو القرار الصادر من محكمة مشكلة تشكيلا صحيحا في خصومة رفعت إليها وفق قواعد قانون المرافعات في محرر مكتوب طبقا لإجراءات خاصة، وكل عيب يعتري الحكم لا يفقده هذه الطبيعة، لا يعدو أن يكون من الشوائب التي تصيب صحته إلى حد قد يبطله؛ أما انعدام الحكم فهو شيء أعنف من ذلك وأمعن في الخروج على القانون، إذ هو مخالفة للقانون لا تقتصر على تعييب الحكم، بل تمتد إلى انعقاده وكيانه، وتعدم أحد أركانه، فتجعله والعدم سواء، كأن يصدر من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا..".
(أنظر طعن رقم 6 تجاري بتاريخ 12 ديسمبر 1973)


الخاتمة
نخلص من العرض السابق إلى أن المحكمة الدستورية تتألف من خمسة مستشارين، وأن تعيين هؤلاء الخمسة يجب أن يمر بمرحلتين: الأولى قيام مجلس القضاء باختيار أعضاء المحكمة عن طريق الاقتراع السري من بين المستشارين الكويتيين من غير أعضاء مجلس القضاء، والثانية هي صدور مرسوم أميري بتعيين من تم اختياره. ونخلص أيضا إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تتبع سواء كان المعين عضو احتياط في المحكمة أو لم يكن، وهذا ما يستفاد من صراحة نص الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون إنشاء المحكمة الدستورية التي تنص على أنه "وإذا خلا محل أي عضو من الأعضاء الأصليين أو الاحتياطيين اختار مجلس القضاء- بالاقتراع السري- من يحل محله ويكون تعيينه بمرسوم". ولا مجال للاجتهاد مع صراحة النص.

ونظرا لمخالفة التشكيل الحالي للمحكمة الدستورية لقانون إنشاءها، فإن تشكيلها يكون مخالف للقانون، وتكون أحكامها منعدمة. كما أن أحكامها التي أصدرتها في الفترة منذ نوفمبر عام 2004 هي أحكام منعدمة أيضا نظرا لمشاركة المستشار راشد الشراح في المحكمة بالأصالة بشكل دائم من دون صدور مرسوم أميري بتعيينه. كما أن الأحكام التي أصدرتها المحكمة بين عام 1994 وعام 2003 منعدمة قانونا بسبب مشاركة المستشار راشد الحماد ثم المستشار كاظم المزيدي في عضوية المحكمة بالأصالة بشكل دائم من دون صدور مرسوم أميري بتعيينهما، وذلك هديا بما قررته محكمة التمييز الكويتية في شأن انعدام الأحكام الصادرة من محاكم مشكلة تشكيلا مخالفا للقانون.