loading ..loading
مدى دستورية المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012


بسم الله الرحمن الرحيم

(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)



محمد عبدالقادر الجاسم/ المحامي
دراسة حول مدى دستورية
المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012
بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية





الوقائع
ــــ بتاريخ 20 يونيو 2012 أصدرت المحكمة الدستورية حكمها المثير للجدل ببطلان انتخابات مجلس الأمة التي جرت في الأول من فبراير 2012، وكان ذلك بمناسبة نظرها أحد الطعون الانتخابية التي قدمت في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات. وقد ترتب على هذا الحكم استعادة مجلس الأمة المنتخب في العام 2009 سلطاته الدستورية، إلا أنه لم يتمكن من عقد جلساته بسبب عدم اكتمال النصاب.
ــــ وبتاريخ 16 أغسطس 2012 قدم مجلس الوزراء إلى المحكمة الدستورية طعنا بعدم دستورية كل من المادة الأولى والمادة الثانية من القانون رقم (42) لسنة 2006 في شأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية. وتم قيد الطعن برقم (26) لسنة 2012 "دستوري". وبتاريخ 25 سبتمبر 2012، أصدرت المحكمة الدستورية حكمها برفض الطعن.
ــــ وبتاريخ 6 أكتوبر 2012 صدر مرسوم أميري رقم (241) بحل مجلس الأمة.
ــــ وبتاريخ 21 أكتوبر 2012، صدر المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012 بتعديل القانون رقم (42) لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية متضمنا استبدال نص المادة الثانية من القانون المشار إليه، ليصبح نصها على النحو التالي: "تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس، على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد". وكان النص قبل التعديل يمنح الناخب الحق في التصويت لأربعة مرشحين بحد أقصى.
ــــ وبتاريخ 1/12/2012 أُجريت الانتخابات وفق المرسوم بالقانون المشار إليه، وتم إعلان نتيجتها النهائية لاحقا.
ــــ وخلال المهلة القانونية المقررة للطعن على نتائج الانتخابات، تلقت المحكمة الدستورية العديد من الطعون الانتخابية، ويتضمن بعضها الطعن بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية.
ــــ وبمناسبة تلك الطعون، تم إعداد هذه المذكرة متضمنة رأينا في مدى دستورية المرسوم بالقانون المشار إليه.

أولا: التفسير النظري لنص المادة (71) من الدستور
استندت الحكومة في إصدار المرسوم بالقانون محل هذه الدراسة على نص المادة (71) من الدستور، والتي تمنح الأمير الاختصاص بإصدار مراسيم لها قوة القانون وفق ضوابط وشروط وردت في صلب المادة. وتنص المادة (71) على أنه "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.
ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حال الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك. أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر".
وما يهمنا في النص السابق، في إطار دراستنا هذه، هو الفقرة الأولى منه، والتي تقرر أن للأمير أن يصدر مراسيم لها قوة القانون في فترة غياب مجلس الأمة لمواجهة ظروف طارئة. ومن أجل استيعاب حدود النص السابق، يجب التعرف على أصل الفكرة التي تبناها هذا النص.
من المعروف أن إصدار القوانين هو اختصاص أصيل للبرلمان، ووفقا للمادة (79) من الدستور الكويتي فإن القوانين لا تصدر إلا إذا أقرها مجلس الأمة وصدق عليها الأمير.
إلا أنه قد تحدث، فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، حالة طارئة أو ظرف استثنائي لا تحتمل معالجته أو التعامل معه التأخير، وتستوجب التدخل التشريعي، أي إصدار قانون، ، فجاءت المادة (71) من الدستور لتجيز للأمير إصدار مراسيم لها قوة القانون لمواجهة تلك الحالة الطارئة. أي أن إصدار مراسيم لها قوة القانون هو طريق استثنائي للتشريع أوجبته الضرورة من أجل الحفاظ على المصالح العليا للدولة في مواجهة حدث طارئ إذا تطلبت تلك المواجهة اتخاذ تدابير عاجلة لا يمكن اتخاذها إلا عبر إصدار قانون.
وفكرة المراسيم التي لها قوة القانون ليست فكرة كويتية مبتدعة من المشرع الدستوري، بل هي فكرة مقتبسة أساسا من الدستور المصري الصادر في العام 1923 والذي نصت مادته (41) على أنه "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد البرلمان ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فللملك أن يصدر بشأنها مراسيم تكون لها قوة القانون بشرط أن لا تكون مخالفة للدستور..".
ويسود في الفقه العربي استخدام وصف "حالة الضرورة" و"نظرية الضرورة" للتعبير عن الظروف التي تبيح إصدار مراسيم لها قوة القانون، وقد يكون الوصف الأدق هو "الظروف الاستثنائية" أو "نظرية الظروف الاستثنائية". "فالظروف الاستثنائية هي التي تضفي المشروعية على التدابير الضرورية". فالظرف استثنائي، والتدبير ضروري.
".. وكانت الحرب العالمية الأولى هي الدافع الأساسي نحو هذه الصورة من صور تطور النظام البرلماني على النحو الذي أدى إلى الاعتراف للسلطة التنفيذية بإمكانية التشريع في ظروف خاصة... وقد اتجهت الدساتير بعد الحرب العالمية الأولى إلى تنظيم هذا الموضوع ولم تتركه لاجتهادات الفقه أو لمبررات السلطة التنفيذية...، ولم يشأ دستور الكويت أن يصل إلى ما وصل إليه الدستور الفرنسي الحالي في هذا الشأن وإنما جعل من المراسيم بقوانين صورة استثنائية من صور التشريع وضبط حدودها وإمكانية إعمالها وفرض عليها رقابة لاحقة من مجلس الأمة".
ويرى الدكتور عادل الطبطبائي أن "الأصل أن تكون سلطة التشريع بيد البرلمان بوصفه الممثل للإرادة الشعبية ولكن ضغط متطلبات الحياة السياسية وتعقدها، لاسيما بعد الحرب العالمية الأولى، أدى إلى الاعتراف للسلطة التنفيذية بإمكانية التشريع في ظروف خاصة عن طريق ما يسمى بالمراسيم بقوانين. وإذا كان مبدأ الفصل بين السلطات يقتضي أن تناط سلطة التشريع بيد ممثلي الشعب، فإن إعطاء الاختصاص التشريعي للسلطة التنفيذية يعد خروجا على هذا المبدأ، الأمر الذي لا يمكن تبريره إلا بقيام حالة الضرورة... وهذا يعني وجود حالة ملحة تستوجب إصدار المرسوم بقانون لمواجهتها، وأن مواجهة هذه الحالة لا يمكن تأجيله إلى حين اجتماع مجلس الأمة ومناقشته للأمر، ويترتب على ذلك عدم جواز اللجوء إلى إصدار مراسيم الضرورة إذا كانت الأحوال عادية، أو كانت الأمور التي يراد تنظيمها لا ترتبط بحالة عاجلة، بحيث يمكن تأجيلها إلى حين اجتماع مجلس الأمة..".
ويستفاد مما سبق أن اللجوء إلى إصدار مرسوم ضرورة لا يكون إلا في حالة توفر ضرورة أو أمر طارئ لا تعالج إلا من خلال تشريع. وبالتالي فليس صحيحا القول بأن إصدار مراسيم الضرورة هو سلطة مقررة لرئيس الدولة يستخدمها خلال غياب البرلمان دون ضوابط، بل هي حالة استثنائية لها شروط وضوابط.
وبالطبع فإن الرغبة السياسية لرئيس الدولة في إصدار قوانين خلال فترة غياب البرلمان لا تكفي بحد ذاتها لإطلاق يده في التشريع أيا كانت مبرراتها.
ويجدر الانتباه إلى أن هناك فرق شاسع بين الظروف الاستثنائية أو حالة الضرورة، وبين حالة الاستعجال. فالاستعجال وحده لا يبرر منح السلطة التنفيذية رخصة التشريع الاستثنائي، فحالة الضرورة أو الظرف الاستثنائي غير المتوقع يتضمن عنصر الاستعجال، إلا أن الاستعجال بحد ذاته لا يعني توفر الظرف الاستثنائي أو حالة الضرورة التي تبيح للسلطة التنفيذية ممارسة التشريع خلافا للأصل المقرر.
وبالاطلاع على نص المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012، نجد أن ديباجته لم تتضمن أي إشارة إلى نص المادة (71) من الدستور، وإنما تم الاكتفاء بعبارة "بعد الاطلاع على الدستور". أما المذكرة الإيضاحية للمرسوم، فقد ورد فيها:
".. غير أنه ومن خلال الممارسة الفعلية للانتخابات البرلمانية للفصول التي أجريت فيها الانتخابات وفق القانون رقم 42 لسنة 2006 برز العديد من السلبيات والمثالب المتعلقة بالعملية الانتخابية التي هددت وحدة الوطن ونسيجه الاجتماعي، الأمر الذي استوجب إعادة النظر في هذه المادة لمعالجة أوجه القصور والسلبيات التي تشوبها، للحد من آثارها والارتقاء بالممارسة البرلمانية لتحقيق الغايات الوطنية المنشودة وأهمها تحقيق المشاركة الفعالة لجميع أبناء الوطن في إدارة شؤون البلاد وبما يحافظ على وحدة الوطن والقضاء على أمراض العصبية الفئوية ومظاهرة الاستقطاب الطائفي والقبلي التي تضعف مقومات الوحدة الوطنية وتؤدي إلى فرقة المجتمع وتفتيته وتخل بتمثيل البرلمان للأمة تمثيلا صحيحا.
وبعد الدراسة المتأنية والعميقة وتحقيقا للمصلحة الوطنية استقر الرأي على تعديل نص المادة الثانية من القانون على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته في الدائرة المقيد بها، لمرشح واحد فقط وأن يعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد، وذلك بما يضمن التمثيل المتوازن لكافة شرائح المجتمع الكويتي وفئاته ويحد من احتمالات الاحتكار الفئوي والقبلي في الدوائر الانتخابية إذا ترك الأمر دون تقييد.
وقد استهدف ذلك التعديل ترسيخ المفاهيم الدستورية والديمقراطية الحقة، وبما يعزز مقومات الوحدة الوطنية ويكرس تلاحم المجتمع الكويتي وتماسكه المعهود لاسيما وأنه قد جاء في إطار المبادئ والقواعد الدستورية المستقرة التي تمنح المشرع سلطة تقديرية في مجال تنظيم الحقوق في اختيار النظام الأكثر ملائمة وتحقيقا للأغراض المتوخاة وذلك في ظل ما انتهت إليه المحكمة الدستورية في حكمها الصادر بجلسة 25/9/2012 بأن تعديل قانون إعادة الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة لتلافي جميع المطاعن التي توجه إليه يكون بالأداة الدستورية المقررة.
وتحقيقا لهذا الغرض فقد أعد المرسوم بقانون المرافق ليصدر على وجه الاستعجال طبقا لحكم المادة (71) من الدستور وذلك حتى يمكن العمل به خلال الانتخابات العامة المقرر إجراؤها للفصل التشريعي الرابع عشر..".
إن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون تنبئ بذاتها عن فقدان المرسوم لسنده الدستوري، وانتفاء حالة الضرورة وفق الضوابط التي فرضتها المادة (71) من الدستور، وتلك التي أجمع عليها الفقه، وتلك التي قررها القضاء الدستوري في كل من مصر والكويت.
فالمذكرة تشير إلى أن تعديل القانون جاء نتيجة دراسة متأنية وعميقة للتطبيقات السابقة للقانون، أي انتخابات (2008، 2009، 2012)، وأن الهدف معالجة أوجه القصور.. أي أن الأساس الموضوعي للمرسوم بالقانون هو انتخابات البرلمان التي جرت في العام 2008، وفي العام 2009، وفي العام 2012، وهذه الانتخابات الأخيرة مضى عليها، عند إصدار المرسوم بالقانون، نحو ثمانية أشهر!
من جهة أخرى، لم تتضمن المذكرة الإيضاحية أي إشارة إلى ماهية الظروف الطارئة التي توجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير والتي وقعت قبيل إصدار المرسوم بالقانون، أو حتى خلال الفترة بين آخر انتخابات جرت وفق القانون رقم (42) لسنة 2012 وبين اليوم السابق على صدور المرسوم بالقانون!
بل أن المذكرة الإيضاحية كشفت، بشكل صريح، أن الغرض من اللجوء إلى المادة (71) من الدستور هو تطبيق التعديل على الانتخابات التي تلي صدور المرسوم.
إن غرض "الاستعجال" في تطبيق المرسوم، الذي أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، يختلف تماما عن "حالة الضرورة"، فالاستعجال هنا هو في حقيقة الأمر استعجال في اتخاذ "تدبير سياسي" تهدف السلطة التنفيذية منه إلى إحكام سيطرتها على نتائج الانتخابات، وليس لمثل هذه الغايات جاءت المادة (71) من الدستور، وهو ليس مبررا للجوء إلى المادة (71) من الدستور.
إن المحكمة الدستورية، وهي تراقب مدى توافر عنضر الضرورة في المرسوم بالقانون، إنما تحتكم إلى المذكرة الإيضاحية المرفقة بالمرسوم، ففي هذه المذكرة يفترض أن يتم بيان مبررات اللجوء إلى السبيل الاستثنائي في التشريع، أما وقد خلت المذكرة الإيضاحية تماما من أي إشارة إلى الظروف الطارئة أو الأحوال الاستثنائية التي استدعت إصدار المرسوم بالقانون، فإن هذا بحد ذاته يكفي للحكم بعدم دستورية المرسوم بالقانون.
ومن أجل فهم أفضل لفكرة مراسيم الضرورة وضوابط اللجوء إليها، يجدر بنا التعرف على مبدأ المشروعية أولا، ثم فهم الأساس الذي شيدت عليه المادة (71) من الدستور.
ليس هناك ما يضمن حماية جدية للأفراد في مواجهة السلطات العامة إلا سيادة مبدأ المشروعية الذي بمقتضاه يجب أن تتفق أعمال وقرارات الهيئات العامة مع القواعد القانونية العليا، "بحيث متى صدرت بالمخالفة لهذه القواعد، فإنها تكون غير مشروعة، ويكون من حق الأفراد ذوي المصلحة طلب إلغائها والتعويض عنها أمام المحكمة المختصة".
والدستور هو أساس مبدأ المشروعية، ذلك أنه "إذا كانت الدولة المعاصرة، قد انتهى بها التطور لكي تصبح دولة ديمقراطية، تقوم على مبدأ السيادة الشعبية، فلقد أدى ذلك إلى حقيقة جوهرية تحكم كل التنظيم القانوني المعاصر، مقتضاها عزل الحكام عن حق السيادة في الدولة. فلم يعد ينظر إلى هؤلاء إلا بوصفهم عمالا في خدمة الشعب صاحب السيادة الوحيد. وكان طبيعيا أن يؤدي هذا التعديل في مركز الحكام، إلى أن تقوم الدولة المعاصرة على أساس نظام قانوني ــــ عرفي أو مكتوب ــــ سابق على هؤلاء الحكام وأعلى من إرادتهم ليحدد طريقة وصولهم إلى السلطة وليبين لهم اختصاصاتهم وحدود هذه الاختصاصات وأهدافها، وهذا النظام القانوني ــــ وهو يتكون على هذه الصورة من مجموعة قواعد قانونية ملزمة ــــ هو ما يعرف بدستور الدولة.
ومن هنا كان الأصل في السلطة التي يحكمها الدستور، أن تكون سلطة مقيدة بسبب ضرورة التزام القائمين عليها قواعد هذا الدستور، وإلا فإنها تنقلب إلى سلطة فعلية غير قانونية، وتصبح القوة المادية سندها الوحيد... ولذلك كان قيام دولة النظام الدستوري، بما تعنيه من ضرورة الخضوع لأحكام الدستور القائم، بمثابة الأساس الضروري لقاعدة المشروعية ولمبدأ خضوع الدولة للقانون..".
وحول مفهوم الدولة القانونية، قررت المحكمة الدستورية العليا في مصر:
"وحيث إن الدولة القانونية - وعلى ما تنص عليه المادة (65) من الدستور- هى التى تتقيد فى ممارستها لسلطاتها -أياً كانت وظائفها أو غاياتها- بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هى جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه - وأياً كان القائمون عليها - لاتعتبر امتيازاً شخصياً لمن يتولونها، ولا هى من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير فى تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها. ومن ثم تكون هذه القواعد قيداً على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا فى الحدود التى رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها".
(المحكمة الدستورية العليا برقم 36 لسنة 18 قضائية "دستورية" 3 يناير سنة 1998)
ومن البيان السابق، تتجلى أهمية مراقبة المحكمة الدستورية لاستعمال السلطة التنفيذية للرخصة الاستثنائية في التشريع وفق المادة (71) من الدستور، ذلك أن التساهل في مراقبة هذا الاستخدام، وإقرار تصرف السلطة التنفيذية، هو في حقيقته تفريط بالمشروعية وهدم لأركان الدولة القانونية.
وحيث أن التفسير النظري للمادة (71) من الدستور، يكشف بجلاء جنبا إلى جنب مع ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون محل هذه الدراسة عدم دستورية هذا المرسوم بالقانون، فإن القضاء الدستوري، في الكويت ومصر، يتبنى ما أجمع عليه الفقه بشأن ضوابط استعمال الرخصة الاستثنائية في التشريع، وهذا ما سنبينه تفصيلا في البند التالي.

ثانيا: موقف القضاء الدستوري من مراقبة مراسيم الضرورة
(1) موقف المحكمة الدستورية الكويتية:
في مناسبات مختلفة، تطرقت المحكمة الدستورية للمادة (71) من الدستور، وكانت الطعون الانتخابية التي قدمت في العام 2008 آخر مناسبة قدمت فيها المحكمة الدستورية تفسيرا وافيا للمادة (71). ففي أعقاب تلك الانتخابات طعن أحد المرشحين على نتيجتها، وكان من بين أسباب طعنه دفعه بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم (25) لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (35) لسنة 1962 في شأن انتخابات أعضاء مجلس الأمة، وهو المرسوم الذي صدر في فترة حل مجلس الأمة، وقد قررت المحكمة الدستورية رفض الدفع، وبررت ذلك بقولها:
"وحيث أن هذا الدفع مردود بأنه وإن كان سن القوانين هو مما تختص به السلطة التشريعية وتباشره في إطار وظيفتها الأصلية ويتولاها مجلس الأمة طبقا لأحكام الدستور، إلا أنه نظرا لما قد يعرض للأمة من الظروف والطوارئ والأحداث ما يستوجب إجراء سريعا وتشريعا عاجلا، تتطلب مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور للأمير في تلك الحالات أن يصدر في شأنها مراسيم لها قوة القانون، وأنه لما كان هذا الاستثناء هو حق خارج عن الأصل، وحكم الاستثناء لا يقبل التوسع فيه ولا يصح القياس عليه، إذ التوسع أو القياس قد يهدم الأصل المستثنى منه، لذا فقد حرص الدستور على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية في التشريع من الضوابط والحدود ما يكفل عدم إهدار سلطة الأمة أو جعل السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما يقتضيه مبدأ فصل السلطات، أو سلطة طليقة بلا قيد عليها أو عاصم..".
ويلاحظ هنا أن المحكمة الدستورية الكويتية فهمت نص المادة (71) من الدستور على النحو الصحيح باعتباره يقرر طريقا استثنائيا للتشريع، وأن هناك ضوابط وحدود لاستعمال هذه الرخصة الاستثنائية. وبذلك تغلق المحكمة الدستورية الباب أمام تلك التفسيرات الشاذة التي تعتبر نص المادة (71) بمثابة نقل للسلطة التشريعية إلى رئيس الدولة فيما بين أدوار الانعقاد أو الفصول التشريعية، وأنه يمارسها كيفما شاء دون ضوابط.
إن المحكمة الدستورية تشترط لاستخدام المادة (71) من الدستور:
• توفر ظروف وطوارئ وأحداث
• وأن تستوجب تلك الظروف والطوارئ إجراء سريعا وتشريعا عاجلا
• وأن تتطلب مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير
ثم تقرر المحكمة:
• أن المراسيم التي لها قوة القانون هي استثناء خارج عن الأصل
• وأن حكم الاستثناء لا يقبل التوسع فيه ولا يصح القياس عليه
• وأن المشرع وضع ضوابط وحدود تكفل عدم إهدار سلطة الأمة
• وأنه لا يجوز تحويل السلطة التنفيذية إلى سلطة تشريعية على غير ما يقتضيه مبدأ فصل السلطات
• وأن السلطة الممنوحة للأمير في المادة (71) من الدستور ليست سلطة طليقة بلا قيد عليها أو عاصم
وبإنزال الضوابط والشروط السابقة على المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012، فإنه يسهل الجزم بعدم دستورية هذا المرسوم بالقانون.
أما بالنسبة لموقف المحكمة الدستورية الكويتية من اختصاصها بمراقبة مدى توفر عنصر الضرورة في المراسيم الصادرة وفق المادة (71) من الدستور، فقد أكدت في حكمها المشار إليه أنها تملك سلطة مراقبة توفر عنصر الضرورة في تلك المراسيم، إذ أنها بعد أن وضعت ضوابط استخدام المادة (71) من الدستور، بحثت في مدى توافر عنصر الضرورة في المرسوم بالقانون المطعون بعدم دستوريته، وأوضحت الأسباب التي دفعت الحكومة إلى التعجيل في إصداره، وارتكنت على ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم من مبررات بشأن إصداره، وخلصت إلى أن تلك المبررات اقتضت الإسراع بالتدخل التشريعي وفق المادة (71) من الدستور. وهذا يعني أن المحكمة الدستورية الكويتية تأخذ بمسلك القضاء الدستوري المصري وبما يوفر الحماية القضائية لمبدأ المشروعية.
وبهذا التفسير تكون المحكمة الدستورية قد تبنت ما هو محل إجماع الفقه بشأن قيود وضوابط تطبيق المادة (71) من الدستور، وبشأن رقابتها لمدى توافر عنصر الضرورة.
(2) موقف القضاء الدستوري المصري:
تعددت المناسبات التي أتاحت للقضاء الدستوري المصري التعامل مع "قرارات الضرورة"، وقد اخترنا أحد الأحكام الصادرة في العام 1985، وحكم آخر صدر في العام 1999. وقد قررت المحكمة الدستورية أنها تملك الحق في مراقبة مدى توافر عنصر الضرورة في القرار بقانون، وقررت أيضا أن إقرار البرلمان للقرار بقانون لا يلغي حق المحكمة في فحص مدى دستوريته. وفيما يلي نص الأحكام المختارة:
(أ) حكم المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 2 قضائية "دستورية"
".. وحيث أن نصوص الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، ولها مقام الصداره بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وإهدار ما يخالفها من تشريعات. وهذه القواعد والأصول هى التى يرد إليها الأمر فى تحديد ما تتولاه السلطة العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى استثناء من الأصل العام الذى يقضى بانحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد فلا يجوز لأى من تلك السلطات أن تتعداها إلى غيرها أو تجور على الضوابط والقيود المحددة لها، فيشكل عملها حينئذ مخالفة دستورية تخضع- متى انصبت على قانون أو لائحة- للرقابة القضائية التى عهد بها الدستور إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.
وحيث أن سن القوانين عمل تشريعى تختص به الهيئة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقاً للمادة (86) من الدستور. والأصل أن تتولى هذه الهيئة بنفسها سلطة التشريع على مقتضى القواعد المقررة من الدستور، إلا أنه نظراً لما قد يطرأ فى غيبة مجلس الشعب من ظروف توجب سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير، فقد أجاز الدستور لرئيس الجمهورية فى تلك الحالات أن يصدر فى شأنها قرارات لها قوة القانون. وقد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية فى التشريع من الضوابط والقيود ما يكفل عدم تحولها- إلى ممارسة تشريعية مطلقة، موفقاً بذلك بين مقتضيات مبدأ الفصل بين السلطات وضمان مباشرة كل منها للمهام المنوطه بها، وبين الاعتبارات العملية الملحة التى تتطلب تخويل رئيس الجمهورية رخصة التشريع- على سبيل الاستثناء- لمواجهة تلك الظروف الطارئة حال غياب المجلس التشريعى المختص أصلاً بذلك. من أجل ذلك نص الدستور فى الفقرة الأولى من المادة (147) على أنه "اذا حدث فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى إتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون" وفى الفقرة الثانيةعلى أنه "ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلساته، فاذا لم يعرض زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ماكان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث أن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً فى إصدار قرارات تكون لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ما قد يصدر من قرارات استنادا إليه. فأوجب لإعمال رخصة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تتهيأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه الرخصة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما، باعتبارهما من الضوابط المقررة فى الدستور لممارسة ما نص عليه من سلطات، شأنهما فى ذلك شأن الشروط الأخرى التى حددتها المادة (147) ومن بينها ضرورة عرض القرارات الصادرة إستناداً إليها على مجلس الشعب للنظر فى إقرارها أو علاج آثارها.
وحيث أنه يبين من الأعمال التحضيرية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 المطعون عليه أن الأسباب التى أستندت إليها الحكومة فى التعجيل بإصداره فى غيبة مجلس الشعب، تتمثل فيما أوردته مذكرته الإيضاحية من "أن القانونين رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 الخاصين ببعض أحكام الأحوال الشخصية قد مضى على صدورهما قرابة خمسين عاماً طرأ فيها على المجتمع كثير من التغيير المادى والأدبى التى انعكست آثارها على العلاقات الاجتماعية الأمر الذى حمل القضاء عبئاً كبيراً فى تخريج أحكام الحوادث التى تعرض عليهم، وقد كشف ذلك عن قصور فى بعض أحكام القوانين القائمة مما دعا إلى البحث عن أحكام الأحوال التى استجدت فى حياة المجتمع المصرى وذلك فى نطاق نصوص الشريعة دون مصادرة أى حق مقرر بدليل قطعى لأى فرد من أفراد الأسرة بل الهدف من المشروع هو تنظيم استعمال بعض هذه الحقوق..." كما أنه عند عرض القرار بقانون (محل الطعن) على مجلس الشعب للنظر فى إقراره، أفصح وزير الدولة لشئون مجلس الشعب عن ماهية الضرورة التى دعت إلى إصداره بقوله "ولا شك أن الضرورة تحتم استصدار قانون لتعديل الأحوال الشخصية... وقد طال الأمد على استصدار هذه القوانين، وطول الأمد واستطالة المدة هى حالة الضرورة، بل هى حالة الخطورة فالأسرة المصرية تنتظر هذا الإصلاح منذ عام 1905، واللجان تنعقد وتتعثر أعمالها ولكن دون جدوى ولائحة ترتيب المحاكم الشرعية، والقانونان اللذان يحكمان مجال الأسرة رقم 25 لسنة 1920 ورقم 25 لسنة 1929 كلاهما يحتاج إلى تعديل منذ صدورهما، أى منذ عامى 1920 و1929. أليس فى هذا كله مدعاة لضرورة يقدرها ولى الأمر ليصدر قراراً ثورياً بإصلاح الأسرة؛ لو ترك الأمر لاقتراح قرار بقانون أو لمشروع بقانون وثارت حوله المناقشات وظل شهوراً وسنين فأين هى الحاجة التى تدعو إلى تحقيق إصلاح الأسرة بقرار ثورى مثل القرار بقانون المعروض".
لما كان ذلك، وكانت الأسباب سالفة البيان. وحاصلها مجرد الرغبة فى تعديل قوانين الأحوال الشخصية بعد أن طال الأمد على العمل بها رغم ما استجد من تغييرات فى نواحى المجتمع وإن جاز أن تندرج فى مجال البواعث والأهداف التى تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال ما يشوب التشريعات القائمة من قصور تحقيقاً لإصلاح مرتجى إلا أنه لا تتحقق بها الضوابط المقررة فى الفقرة الأولى من المادة (147) من الدستور، ذلك أن تلك الأسباب- تفيد أنه لم يطرأ- خلال غيبة مجلس الشعب- ظرف معين يمكن أن تتوافر معه تلك الحالة التى تحل بها رخصة التشريع الاستثنائية التى خولها الدستور لرئيس الجمهورية بمقتضى المادة (147) المشار إليها ومن ثم فان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979- إذ صدر إستناداً إلى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور.
وحيث أنه لا ينال مما تقدم ما أثارته الحكومة من أن تقدير الضرورة الداعية لإصدار القرارات بقوانين عملاً بالمادة (147) من الدستور متروك لرئيس الجمهورية تحت رقابة مجلس الشعب باعتبار ذلك من عناصر السياسة التشريعية التى لا تمتد إليها الرقابة الدستورية، ذلك أنه كان لرئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائية طبقاً للمادة المشار إليها وفق ما تمليه المخاطر المترتبة على قيام ظروف طارئة تستوجب سرعة المواجهة وذلك تحت رقابة مجلس الشعب، الا أن ذلك لايعنى اطلاق هذه السلطة فى إصدار قرارات بقوانين دون التقيد بالحدود والضوابط التى نص عليها الدستور والتى سبق أن استظهرتها المحكمة ومن بينها اشتراط ان يطرأ- فى غيبة مجلس الشعب- ظروف من شأنه توفر الحالة الداعية لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية وهو ما لم يكن له قائمة بالنسبة للقرار بقانون المطعون عليه الأمر الذى يحتم اخضاعه لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية.
وحيث أنه- من ناحية أخرى- فإن إقرار مجلس الشعب للقرار بقانون المطعون عليه لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذى نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا القرار فى ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية المطعون عليه قد استهدف بتنظيمه التشريعى المترابط موضوعاً واحداً قصد به معالجة بعض مسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالأسرة على ما سلف بيانه، وكان العيب الدستورى الذى شابه قد عمه بتمامه لتخلف سند إصداره، فإنه يتعين الحكم بعدم دستوريته برمته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية القرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية".
(ب) الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2 يناير 1999
" وحيث أن الدساتير المصرية المتعاقبة بدءً بدستور سنة 1923 وانتهاءً بالدستور القائم تفصح جميعها عن اعتناقها لنظرية الضرورة وتضمينها لأحكامها فى صلبها تمكينا للسلطة التنفيذية - حال غيبة السلطة التشريعية - من مواجهة أوضاع قاهرة أو ملحة تطرأ خلال هذه الفترة الزمنية وتلجئها إلى الإسراع فى اتخاذ تدابير لاتحتمل التأخير فى شأنها، ومن ثم يكون تدخلها بهذه التدابير، وتطبيقاً لها، مُبَرَّراً بحالة الضرورة ومستنداً إليها، وبالقدر الذى يكون متناسباً مع متطلباتها، بوصفها تدابير من طبيعة استثنائية. وقد حرص المشرع الدستورى على أن يضع لهذه السلطة الاستثنائية - فى مجال ممارسة الوظيفة التشريعية - من الضوابط والقيود مايكفل عدم تحولها إلى ممارسة تشريعية مطلقة تتغول بها السلطة التنفيذية على الولاية التشريعية المعقودة دستورياً لمجلس الشعب. ذلك أن نصوص الدستور إنما تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم فى الدولة، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين إلتزامها ومراعاتها باعتبارها أسمى القواعد الآمرة وأحقها بالنزول على أحكامها. وهذه القواعد والأصول هى التى يُرد إليها الأمر فى تحديد ما تتولاه السلطات العامة من وظائف أصلية وما تباشره كل منها من أعمال أخرى لاتدخل فى نطاقها بل تعد استثناء من الأصل العام الذى يقضى بانحصار نشاطها فى المجال الذى يتفق مع طبيعة وظيفتها. وإذ كانت هذه الأعمال الاستثنائية قد أوردها الدستور على سبيل الحصر والتحديد وبيّن بصورة تفصيلية ضوابط وحدود ممارستها - كقيد على مبدأ الفصل بين السلطات الذى التزمه الدستور الحالى الصادر عام 1971 منحازاً بذلك إلى القيم الديموقراطية فى الدول المتحضرة - فقد تعين على كل سلطات الدولة أن تلتزم تلك الحدود الضيقة وأن تردها إلى ضوابطها الدقيقة الصارمة التى عينها الدستور، وإلا كان عملها مخالفاً للدستور ممايخضعه للرقابة القضائية التى عهد بها إلى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها، بغية الحفاظ على مبادئه وصون أحكامه من الخروج عليها.
وحيث أن سن القوانين عمل تشريعى تختص به السلطة التشريعية التى تتمثل فى مجلس الشعب طبقاً للمادة (86) من الدستور. ولئن كان الأصل أن تتولى هذه السلطة بذاتها مباشرة هذه الوظيفة التى أسندها الدستور لها، وأقامها عليها، إلا أن الدستور قد وازن بين مايقتضيه الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من تولى كل منهما لوظائفها فى المجال المحدد لها أصلاً، وبين ضرورة المحافظة على كيان الدولة وإقرار النظام فى ربوعها إزاء ما قد تواجهه فى غيبة مجلس الشعب من مخاطر تلوح نذرها أو تشخص الأضرار التى تواكبها، يستوى فى ذلك أن تكون هذه المخاطر من طبيعة مادية أو أن يكون قيامها مستنداً إلى ضرورة تدخل الدولة بتنظيم تشريعى يكون لازماً بصورة عاجلة لاتحتمل التأخير لحين انعقاد مجلس الشعب. وتلك هى حالة الضرورة التى اعتبر الدستور قيامها من الشرائط التى تطلبها لمزاولة هذا الاختصاص الاستثنائى، ذلك أن الاختصاص المخول للسلطة التنفيذية فى هذا النطاق لايعدو أن يكون استثناء من أصل قيام السلطة التشريعية على مهمتها الأصلية فى المجال التشريعى. إذ كان ذلك، وكانت التدابير العاجلة التى تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فإن انفكاكها عنها يوقعها فى حومة المخالفة الدستورية، ذلك أن توفر حالة الضرورة - بضوابطها الموضوعية التى لاتستقل السلطة التنفيذية بتقديرها - هى علة اختصاصها بمواجهة الأوضاع الطارئة والضاغطة بتلك التدابير العاجلة، بل هى مناط مباشرتها لهذا الاختصاص، وإليها تمتد الرقابة الدستورية التى تباشرها المحكمة الدستورية العليا للتحقق من قيامها فى الحدود التى رسمها الدستور، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية - وهى من طبيعة استثنائية - إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها وانحرافها.
وحيث أن الدستور قد بين ضوابط ممارسة السلطة التنفيذية - ممثلة فى رئيس الجمهورية - لجانب من الوظيفة التشريعية فى أحوال الضرورة أثناء غياب مجلس الشعب، وذلك فى المادة (147) منه التى تنص على مايأتى:
"إذا حدث فى غيبة مجلس الشعب مايوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لاتحتمل التأخير جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون.
ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وتعرض فى أول اجتماع له فى حالة الحل أو وقف جلساته، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعى ماكان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، وإذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعى ماكان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها فى الفترة السابقة أو تسوية ماترتب على آثارها بوجه آخر".
وحيث أن المستفاد من هذا النص أن الدستور وإن جعل لرئيس الجمهورية اختصاصاً فى إصدار قرارات تكون لها قوة القانون فى غيبة مجلس الشعب، إلا أنه رسم لهذا الاختصاص الاستثنائى حدوداً ضيقة تفرضها طبيعته الاستثنائية، منها ما يتعلق بشروط ممارسته ومنها ما يتصل بمآل ماقد يصدر من قرارات إستناداً إليه. فأوجب لإعمال سلطة التشريع الاستثنائية أن يكون مجلس الشعب غائباً وأن تطرأ خلال هذه الغيبة ظروف تتوافر بها حالة الضرورة التى تسوغ لرئيس الجمهورية سرعة مواجهتها بتدابير لاتحتمل التأخير إلى حين انعقاد مجلس الشعب باعتبار أن تلك الظروف هى مناط هذه السلطة وعلة تقريرها. وإذ كان الدستور يتطلب هذين الشرطين لممارسة ذلك الاختصاص التشريعى الاستثنائى، فإن رقابة المحكمة الدستورية العليا تمتد إليهما للتحقق من قيامهما باعتبارهما من الضوابط المقررة فى الدستور لممارسة مانص عليه من سلطات، كما تمتد هذه الرقابة أيضا إلى التحقق من سلامة الإجراءات واحترام المواعيد التى تطلبها الدستور فى عرض تلك القرارات على مجلس الشعب للنظر فى إقرارها أو علاج آثارها وذلك حتى لايتحول هذا الاختصاص التشريعى الاستثنائى إلى سلطة تشريعية كاملة مطلقة لاقيد عليها.
وحيث أن البين مما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة (147) من الدستور، أن مواعيد وإجراءات عرض القرارات المشار إليها على مجلس الشعب، تختلف باختلاف ما إذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً أو قائماً، فإذا كان المجلس منحلاً أو موقوفاً، وجب عرض القرارات المشار إليها عليه فى أول اجتماع له فور انعقاده، أما فى غير هاتين الحالتين - الوقف والحل - فيتعين أن يدعى المجلس للانعقاد لعرض تلك القرارات عليه خلال فترة زمنية محددة هى خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، وعلة ذلك تمكين المجلس - باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل فى ممارسة الوظيفة التشريعية - من مراجعة التشريعات التى تصدرها السلطة التنفيذية- فى غيبته عند الضرورة - فى أسرع وقت ممكن للنظر فى شأنها، وإلا زال مالهذه التشريعات - وفقاً لما نص عليه الدستور - من قوة القانون بأثر رجعى دون حاجة لاتخاذ أى إجراء فى هذا الشأن.
وحيث أنه يبين من الاطلاع على قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981، أنه قد صدر دون مذكرة إيضاحية تفصح عن الأسباب التى استندت إليها الحكومة فى التعجيل بإصداره فى غيبة مجلس الشعب، إلا أنه عند عرض القرار بقانون المشار إليه على مجلس الشعب للنظر فى إقراره، أبدى وزير الدولة لشئون مجلس الشعب -على ماورد بمضبطة الجلسة الثالثة للاجتماع غير العادى المعقودة فى 14 سبتمبر سنة 1981 - أن رئيس الجمهورية أصدر ذلك القرار بقانون طبقاً للصلاحية التى خولها له الدستور فى المادة (147)، وأنه قد صدر لفتح باب التظلم أمام من شملتهم الإجراءات التى اتخذها رئيس الجمهورية طبقاً للمادة (74) من الدستور - وهو ماردده أيضاً تقرير لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب فى هذا الشأن - وكان ذلك وإن جاز أن يندرج فى مجال البواعث والأهداف التى تدعو سلطة التشريع الأصلية إلى سن قواعد قانونية جديدة أو استكمال مايشوب التشريع القائم من قصور تحقيقاً لإصلاح مرتجى، إلا أنه لايصلح سنداً لقيام حالة الضرورة المبرِّرة لإصدار هذا القرار بقانون إذ لم يطرأ خلال غيبة مجلس الشعب ظرف معين يمكن أن تتوفر معه تلك الضرورة التى تبيح ممارسة سلطة التشريع الاستثنائية طبقاً للمادة (147) من الدستور. كما أن هذا القول -إن صح- كان يقتضى اللجوء إلى السلطة التشريعية لاستصدار قانون بتحديد الجهة القضائية التى تختص بالنظر فى التظلمات من الإجراءات التى تتخذ وفقاً للمادة (74) من الدستور إعمالاً للتفويض المخول للمشرع بمقتضى المادة (167) من الدستور فى شأن تحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها وتنظيم طريقة تشكيلها.
وحيث أن من المقرر - وعلى ماجرى به قضاء هذه المحكمة - أن نصوص الدستور لاتتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل فى إطار الوحدة العضوية التى تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها وربطها بالقيم العليا التى تؤمن بها الجماعة فى مراحل تطورها المختلفة. ويتعين دوماً أن يعتد بهذه النصوص بوصفها متآلفة فيما بينها لاتتماحى أو تتآكل، بل تتجانس معانيها وتتضافر توجهاتها، ولا محل بالتالى لقالة إلغاء بعضها البعض بقدر تصادمها، ذلك أن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها، يفترض العمل بها فى مجموعها، باعتبار أن لكل نص منها مضموناً ذاتياً لا ينعزل به عن غيره من النصوص أو ينافيها او يسقطها، بل يقوم إلى جوارها متسانداً معها، مقيداً بالأغراض النهائية والمقاصد الكلية التى تجمعها. وإذ كان الدستور قد نص فى المادة (65) منه على خضوع الدولة للقانون، دالاً بذلك على أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها - وأياً كانت طبيعة سلطاتها – بقواعد قانونية تعلو عليها، وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، باعتبار أن ممارسة السلطة لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد ولكنها تٌباَشر نيابة عن الجماعة ولصالحها؛ ومن ثم فقد أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترناً بمبدأ مشروعية السلطة هو الأساس الذى تقوم عليه الدولة القانونية. متى كان ذلك وكان الدستور يؤكد فى المادة (73) منه مسئولية رئيس الجمهورية عن احترام الدستور وسيادة القانون ورعاية الحدود بين السلطات فإنه إذا ما قرر ملاءمة إصدار قرار بقانون لمواجهة أحد الأخطار التى أشارت إليها المادة (74) من الدستور فإن هذه السلطة تكون مقيدة بالضوابط المقررة لممارسة هذا الاختصاص التشريعى الاستثنائى وأخصها تلك التى تضمنتها المادة (147) من الدستور، ذلك أن ما تقرره المادة (74) من سلطات لرئيس الجمهورية لمواجهة الأخطار المشار إليها فيها، لايعنى الترخص فى تجاوز الضوابط والخروج على القيود التى تضمنتها مبادئ الدستور الأخرى وفى مقدمتها ألا تمارس السلطة التنفيذية شيئاً من الوظيفة التشريعية إلا على سبيل الاستثناء وفى الحدود الضيقة التى أجاز فيها الدستور ذلك فى المادة (147) منه.
لما كان ذلك، وكان السبب الذى حدا برئيس الجمهورية لإصدار القرار بقانون الطعين لا يشكل بذاته حالة ضرورة تدعو رئيس الجمهورية إلى مباشرة سلطته التشريعية الاستثنائية المقررة بالمادة (147) من الدستور، فإن هذا القرار وقد صدر إستناداً إلى هذه المادة وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور.
وحيث أنه لاينال مما تقدم قالة إن مجلس الشعب وقد أقر القرار بقانون المطعون فيه، فإنه بذلك يكون قد طهره مما شابه من عيوب دستورية، ذلك أن إقرار مجلس الشعب له لايترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذى نشأ عليه كقرار بقانون دون تطهيره من العوار الدستورى الذى لازم صدوره. كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار فى ذاته أن ينقلب به القرار بقانون المذكور إلى عمل تشريعى جديد يدخل فى زمرة القوانين التى يتعين أن يتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التى حددها الدستور فى هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 154 لسنة 1981 بإضافة بند جديد إلى المادة (34) من قانون حماية القيم من العيب الصادر بالقانون رقم 95 لسنة 1980، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة".
ويلاحظ في الحكم السابق أن القضاء الدستوري المصري قد وضع ضوابط استعمال رئيس الجمهورية سلطة التشريع الاستثنائي، وأكدت المحكمة خضوع هذا الاستعمال لرقابة القضاء الدستوري، كما أكدت أن إقرار البرلمان للتشريع الاستثنائي لا يحول دون إعمال المحكمة رقابتها عليه.

ثالثا: الرأي في مدى دستورية المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012
من خلال العرض السابق، وتفسير الفقه لنص المادة (71) من الدستور، ومن خلال الضوابط التي قررتها المحكمة الدستورية للتشريع الاستثنائي وفق تلك المادة، واسترشادا بما انتهت إليه المحكمة الدستورية في مصر، وعلى ضوء ما ورد في المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون، يمكن القول بلا تردد إن المرسوم بالقانون المشار إليه مخالف للدستور، فهو قد صدر بغير توفر حالة الضرورة، ويعد إصداره تغولا على اختصاص السلطة التشريعية بالتشريع واغتصاب لها، وانتهاك فاضح للدستور.
فضلا عن ذلك، فقد صدر هذا المرسوم المعيب وفق فهم خاطئ للمادة (71) من الدستور، وهو فهم مؤداه انتقال سلطة التشريع إلى الأمير بمجرد حل مجلس الأمة أو بين أدوار انعقاده، وأن للأمير الحق في أن يصدر ما شاء من تشريعات دون ضابط دستوري.
كما أن المرسوم المعيب صدر تنفيذا لرغبة سياسية لدى السلطة التنفيذية في الاستعجال بتطبيق أحكام المرسوم بالقانون على الانتخابات البرلمانية التي تلت صدور المرسوم، وليس استجابة لحالة ضرورة ملحة أو مواجهة لظرف استثنائي. ولعله من اليسير جدا التعرف على الواقع السابق على إصدار المرسوم بالقانون لبيان ما إذا كانت هناك ظروف وطوارئ وأحداث استوجبت إجراء سريعا وتشريعا عاجلا، تطلبت مواجهتها بتدابير لا تحتمل التأخير.
وفي بيان ذلك يمكن إيجاز القول بأن السلطة التنفيذية، وعلى ضوء نتائج انتخابات مجلس الأمة التي جرت في شهر فبراير من العام 2012، فقدت سيطرتها السياسية على أعمال وقرارات مجلس الأمة للمرة الأولى في التاريخ السياسي الكويتي، وما أن شرع هذا المجلس في إعداد اقتراحات بقوانين ذات توجهات إصلاحية، حتى أعدت السلطة التنفيذية عدتها لتغيير النظام الانتخابي بعد صدور حكم إبطال الانتخابات، فذهبت إلى المحكمة الدستورية في محاولة لاستصدار حكم بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2006 ثم تقوم بحل مجلس الأمة المنتخب في العام 2009، حتى تتمكن من بعد بالانفراد في إصدار مرسوم بقانون وفق المادة (71) من الدستور على اعتبار أن الحكم بعدم دستورية القانون القائم يحتم اللجوء إلى المادة (71) نظرا لعدم وجود مجلس الأمة ولضرورة إجراء الانتخابات في الميعاد الدستوري. إلا أن صدور حكم المحكمة الدستورية برفض طعن الحكومة بعدم دستورية القانون رقم (42) لسنة 2006، أجبر السلطة التنفيذية على الكشف عن نواياها، فقامت بحل مجلس 2009 ثم أصدرت المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بتقليص عددالأصوات التي يملكها الناخب على نحو مخالف لنص المادة (71) من الدستور سعيا لإنجاز غاية سياسية مستعجلة هي فرض سيطرتها على أعمال وقرارات مجلس الأمة.
إن تلك الغايات السياسية هي التي تشكل البواعث الحقيقية لدى السلطة التنفيذية في إصدار المرسوم بالقانون بالمخالفة لأحكام الدستور.
ختاما..
إن إقرار المحكمة الدستورية بدستورية المرسوم بالقانون رقم (20) لسنة 2012 هو مصادقة منها على انهيار نظام الحكم الديمقراطي الدستوري في البلاد، وإعلان سقوط مبدأ الفصل بين السلطات، وانتكاسة حادة لمبدأ المشروعية، وإحياء لمنهج الحكم الفردي المطلق وفق ديمقراطية شكلية زائفة تقوم على أساس تركيز السلطات واندماجها عوضا عن فصلها.

والحمدلله على ما أنعم،،،