loading ..loading
"فضفضة"
05th February 2017

أنا مولود في 11 إبريل عام 1956. وقبل بلوغي سن ألـ 60 بنحو 3 أشهر، وكان ذلك في شهر يناير من عام 2016، دخلت بعض الأفكار نطاق التفكير: ماهي نوعية الحياة التي أريد في مرحلة "الستين"؟ وما هي الخيارات المتاحة؟

إن أهم القرارات التي يتخذها الإنسان، مثل التخصص الدراسي، نوعية الوظيفة أو المهنة، الزواج،،، كل هذه القرارات يتخذها الإنسان قبل أن تنضج تجربته وقبل أن يكتسب الخبرة المناسبة لاتخاذها!

ما هي القرارات المهمة التي يتوجب عليك اتخاذها عندما تبلغ الـ 60 عاما؟!

في حياتنا نحن نعيش، على الأرجح، وفق ما يتوقعه غيرنا منا لا وفق ما نريد نحن.

 وفي حياتنا أيضا نقوم، على الأرجح، بما نضطر القيام به لا بما نرغب القيام به.

 وفي حياتنا أيضا تتداخل الأحلام بالخطط، وتبقى بعض "الأحلام" على رفوف التمنيات،،، أحلام مستمرة وخطط مؤجلة.

 بالطبع، أجمل حياة هي تلك التي يعيشها المرء وفق ما يريد ووفق ما يحب بلا ضغط اجتماعي أو معيشي، لكن المحظوظ وحده هو من يستطيع فعل ذلك.

حين تبدأ مسؤولياتك في سن مبكرة، وحين تتكاثر همومك معها، وحين تواجه الصعاب والمعوقات والمشاكل،،، أو حين تصطدم بالواقع، تظهر في مسيرك منعطفات غير متوقعة من شأنها إجبارك على تغيير خططك وبرامجك.

في شهر يوليو من عام 1992، وكنت قد قد تجاوزت ألـ 36 عاما بقليل، وفي يوم عطلة كنت قد خططت لها كي تكون مع ابني عمر الذي كان في سن ألـ 11، وصديقي وابنه للذهاب إلى البحر، وقبل خروجي من المنزل داهمتني آلام شديدة جدا في الصدر مصحوبة بحرقة لا تطاق في اليد اليسرى مع ضيق تنفس. لم أتمكن من تجاوز عتبة الباب الخارجي لمنزلي فجلست على العتبة.. كان صديقي خالد يتنظرني عند الباب.. وحين رأى وجهي قال: "شفيك؟ وجهك منحقن؟" قلت : "ما فيني شي، صدري يعورني خل ارتاح دقيقتين". أصر خالد على أن يأخذني  إلى المستشفى رغم معارضتي، لكنه نجح في فرض رأيه. في مستشفى مبارك، تم إجراء الفحوصات. قال الطبيب: "ما شعرت به كان ذبحة صدرية... الآن يجب أن تبقى في المستشفى لإجراء قسطرة للقلب ووو". طبعا كنت في حالة ذهول، لكن حالة الإنكار كانت أقوى بكثير. رفضت البقاء في المستشفى وخرجت "على مسؤوليتي" وذهبنا إلى الشاليه. لم أكن بصحة جيدة، وكان صديقي خالد يصر على عودتنا إلى المستشفى. "عاندت" لكن مقاومتي تلاشت مع ازدياد الشعور بالتعب وما أن حل المساء حتى كنت نائما على أحد أسرة جناح القلب في مستشفى الصباح.

توالت الأحداث.. وانتهت بإجراء عملية القلب المفتوح في أمريكا. بعد عشرة أيام خرجت من المستشفى حاملا معي نصائح الطبيب: توقف عن التدخين، مارس الرياضة، خفف وزنك، ابتعد عن الضغط النفسي.

بالطبع لم التزم بنصائح الطبيب، عمري 36 سنة. لن أعيش حياة رجل متقاعد. عشت حياتي منكرا حالتي الصحية ومتطلباتها. حياة مليئة بالتوتر والضغط والعمل حتى يناير من العام 2016 قبل بلوغي سن الـ 60.

ماذا أريد وأنا في الـ 60؟ طبيعتي تفرض علي التخطيط. لا أحب العشوائية. لذلك أمعنت في البحث عن الخيارات ومقارنتها بالامكانيات. كان أهم قرار اتخذته هو الاهتمام قليلا بالصحة، فحرصت على تغيير النظام الغذائي وأكثرت من المشي. استمر البحث والتفكير عن "مشروع" ما بعد ألـ 60، حتى جاء يوم 2 مارس 2016.

في ذلك اليوم شعرت بآلام شديدة جدا لا تطاق في الظهر... توالت الأحداث. 4 أطباء أكدوا أنني أحتاج إلى جراحة عاجلة في الظهر. "ليس أمامك أكثر من أسبوعين... سوف تصاب بالشلل إن تأخرت في إجراء العملية. كانت الآلام شديدة لدرجة أنني استسلمت لرأي الأطباء. تم إجراء العملية في مستشفى الرازي بتاريخ 2 مايو... وبين 2 مارس و2 مايو نسيت تماما ما كنت أفكر فيه، وجاء يوم 11 إبريل وبلغت ألـ 60 دون أن انتبه.

 ومنذ ذلك اليوم 2 مارس 2016 وحتى هذه اللحظة التي أكتب فيها، لم تفارقني الآلام. هي متفاوتة بين شديدة جدا تجعلني طريح الفراش وخفيفة تتيح لي فرصة الخروج. كنت أزور أخي مسلم البراك في السجن بعد أخذ إبرة مسكنة للألم. كنت أذهب إلى المحكمة على "ويل جير". انعزلت، هاتفي النقال كان مغلقا معظم الوقت. كان "تويتر" هو صلتي بالعالم الخارجي.. أقرأ ولا أكتب، أتابع دون اهتمام.

الحمدلله على كل حال.. الآن أنا في وضع أفضل بكثير، لذلك عادت الأفكار حول ماذا أريد عند بلوغي ألـ 60، لكنني تجاوزت هذا العمر بسنة تقريبا الآن! هل هناك جدوى من التفكير في الموضوع؟!

هكذا هي الحياة... نفكر ونخطط، لكن لا أدرى ما هي نسبة قدرتنا على التحكم في حياتنا!

قبل أن أكتب هذه "السوالف"، كنت قد شعرت بالحاجة للكتابة من دون معرفة ما أريد الكتابة عنه.

الكتابة السياسية؟ نعم أحب الكتابة، لكن كتابة ما يجب أن يكتب في بلادي مسار غير آمن إطلاقا.. تكتبت فيتم سجنك!

الكتابة في القانون؟ نعم أحب البحث والكتابة في القانون، لكن في بلادي القانون يستخدم ولا يطبق فما الجدوى؟!

لا أدري ما هي خياراتي. هذه مجرد "سوالف" أو "فضفضة"، لكنها أيضا محاولة للعودة إلى ممارسة ما أحب وأريد القيام به... الكتابة!