loading ..loading
نحو إصلاح جذري
02nd October 2022

في عام 1963 تم انتخاب مجلس الأمة الأول في ظل دستور 1962، وعقد المجلس أول جلسة له بتاريخ 29/1/1963. وقد كان من الطبيعي أن يتسم أداء كل من المجلس والحكومة ببعض الاضطراب نظرا لحداثة العمل البرلماني. كما كان من الطبيعي أن يتوجس الشيوخ من مجلس الأمة عموما، ومن فكرة "المحاسبة" ولزوم "تبرير" قراراتهم "لعامة الشعب".

وقد كان من المأمول، بمرور الوقت وتراكم الخبرات، أن يتطور العمل البرلماني حسبما تقضي به طبيعة الأمور، وأن يتقبل الشيوخ فكرة المشاركة الشعبية في الحكم كنتيجة حتمية للدولة الدستورية الديمقراطية. إلا أنه من المؤسف أن نعترف اليوم، وبعد مرور نحو ستين عاما، أن العمل البرلماني مازال في مستواه الأول أو دون ذلك، وأن الاقتناع بالنظام الدستوري مازال يبدو بعيدا جدا في أرض الواقع.

وأظن أنه، وبعد كل ما قدمه الشعب الكويتي من مواقف أصيلة وما أظهره من ارتباط بالأسرة الحاكمة، لم يعد من المناسب استمرار التوجس والتخوف من فكرة الحكم الديمقراطي وفكرة المحاسبة الشعبية.

وكم أود لو ينتبه من يعنيهم الأمر إلى رد الفعل الشعبي على خطاب صاحب السمو أمير البلاد الذي ألقاه سمو ولي العهد في 22/6/2022 وعلى ما تلاه من إجراءات. لقد سيطرت العاطفة على رد الفعل، وساد التفاؤل واستبشر الناس خيرا، كل هذا رغم أن الخطاب تضمن تحذيرا من مغبة "سوء الاختيار" في الانتخابات، ومن إجراءات "شديدة الوقع والحدث"، ومع ذلك غفل الرأي العام، عن عمد ووعي، عن مضمون التحذير وتمسك بالأمل والفرح. 

إنني إذ أتمنى أن تلتزم الحكومة الجديدة بالدستور نصوصا وجوهرا، فذلك لأن التزامها سوف يقود حتما إلى تغيير جذري في أسلوب عمل أعضاء مجلس الأمة، فهم يدركون أنه متى ما التزمت الحكومة بالدستور، فلا مجال أمامهم للتمسك إلى الأبد ببعض "الموروثات" السلبية في العمل البرلماني، سواء من جهة تسيد الأسلوب الانفعالي في النقاش أو من جهة سطحية المناقشات لاقتراحات ومشروعات القوانين، أو طغيان العامل الشخصي في العلاقات السياسية.

وأخذا في الاعتبار بعض المظاهر الإيجابية التي برزت مؤخرا وتوحي بوجود رغبة في "التغيير" لدى السلطة، قمت بمحاولة لكتابة أفكار ربما يكون من شأنها المساهمة في تطوير العمل البرلماني، وسوف يتم نشرها كاملة لاحقا، وأكتفي هنا اليوم بنشر خلاصة تلك المحاولة.

إن التطوير بذاته ليس هدفا وإنما هو وسيلة يراد من خلالها تصحيح مسار العلاقة المضطربة على الدوام بين مجلس الأمة والحكومة، وجذب الممارسة البرلمانية صوب التطبيق السليم لنصوص الدستور ولائحة مجلس الأمة، وبالتالي تهيئة الأجواء لاستخدام أدوات النظام الدستوري الديمقراطي من أجل تحقيق التنمية في المجتمع.

إن شرط نجاح مساعي تصحيح مسار العمل البرلماني والعلاقة المضطربة بين المجلس والحكومة هو وجود رغبة صادقة لدى السلطة في الالتزام بنظام الحكم الدستوري، وفي الاحتكام دوما إلى الدستور بروحه ونصوصه. وبغير ذلك لا نفع لأي اجتهاد.

وقد يسأل البعض لماذا أحمّل السلطة مسؤولية تطوير العمل البرلماني أكثر مما أحمل أعضاء مجلس الأمة، وأجيب بالقول إن عمل أعضاء مجلس الأمة دائما ما يكون "رد فعل" تحكمه سياسات السلطة وقرارات الحكومة، ورد الفعل سوف يتغير حتما متى تغير الفعل.

إن مناقشة وتقبل التوصيات الواردة هنا يحتاج إلى الكثير من سعة التفكير والاستعداد لتقبل التغيير الجذري للقواعد السائدة، مع إقراري مقدما بأن بعض هذه التوصيات يحتاج إلى تفصيل أكثر وتأسيس أعمق، وهو ما سوف يتم لاحقا عند نشر الموضوع كاملا بإذن الله.

التوصيات

·      الاكتفاء بدخول نائب واحد فقط في الحكومة

·      الابتعاد عن نظام المحاصصة في الحقائب الوزارية

·      الابتعاد عن نظام حكومة الموظفين وتشكيل حكومة سياسية

·      التحالف مع الشعب واحترام حقه في الحصول على المعلومات دونما تأخير وبشفافية

·      مبادرة الحكومة في الجلسة الأولى للمجلس بطلب إمهالها مدة شهر لتقديم برنامجها

·      تقديم برنامج عمل مفصل يغطي العمر الدستوري للحكومة (أربع سنوات)

·      تكليف الوزراء بعرض برامج مفصلة لوزاراتهم خلال ثلاثة أشهر من افتتاح الفصل التشريعي كما حدث في عام 1963

·      التزام الحكومة بعدم تعطيل جلسات مجلس الأمة والإقرار بحق المجلس في عقد جلساته دون ارتباط بحضور الحكومة

·      الإسراع في الإجابة على الأسئلة البرلمانية وعدم المماطلة أو التستر

·      التعاون مع المجلس في لجان التحقيق البرلمانية وتزويد تلك اللجان بالمعلومات وعدم منع الموظفين من الإدلاء بإفاداتهم

·      مواجهة الاستجوابات بلا تردد مع وجوب تفعيل المسؤولية السياسية لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء متى توفرت أسبابها

·      انفتاح الحكومة على اقتراحات النواب بشأن الإصلاح السياسي وعدم التمسك بالموقف التقليدي الرافض لتلك الاقتراحات

·      وجوب الاهتمام بالاقتراحات برغبة التي يقدمها النواب

·      منع النواب من التدخل في أعمال الحكومة وتوقف الحكومة عن قبول "واسطات" النواب

·      تفعيل لجنة العرائض والشكاوى واعتبارها آلية لبحث شكاوى المواطنين

·      عدم اللجوء إلى المحكمة الدستورية من دون اتفاق مع مجلس الأمة

·      الاشتراك في التصويت على مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة فقط، وعدم التصويت على الاقتراحات بقوانين المقدمة من أعضاء المجلس لتأكيد استقلالية المجلس ومسؤوليته عن قراراته

·      ممارسة حق رد القوانين والاشتراك في التصويت عليها بعد الرد فقط

·      مبادرة الحكومة في طرح وجهة نظرها في المسائل الطارئة وفق نص المادة (76) من لائحة المجلس