loading ..loading
حكم السماسرة!
22nd August 2022

"إن الأسرة الحاكمة تحتاج إلى جهد كبير لتحقيق تطور في فكرها السياسي والتخلص من الموروث المعادي للحريات..".

(من مقال قديم لي "شباب الأسرة.. أزمة هوية" المنشور في موقعي "ميزان" بتاريخ 27/6/2005)

 

ما يلي هو مجرد تحليل، وهو لا يستند على معلومات خاصة إطلاقا.

على ضوء التطورات السياسية الأخيرة، هل يمكن القول إن ثمة "فكرة" سياسية جديدة ظهرت في أوساط الأسرة الحاكمة في الكويت قد تمهد لظهور نهج جديد للحكم فعلا؟

ماذا يعني أن يتضمن خطابا أميريا تعهدات متتالية، لم تكن مطلوبة، بعدم المساس بالدستور وبعدم التدخل في انتخابات مجلس الأمة والرئاسة واللجان؟

ما هي دلالات العبارات التي وردت في المرسوم الأميري بحل مجلس الأمة باللجوء إلى الشعب "باعتباره المصير والامتداد والبقاء والوجود"؟

قد يرى بعضنا أن ما سبق هو حتما إعلان تاريخي مهم عن تبني فكرة سياسية جديدة على مستوى أسرة الصباح، فكرة تستند على حتمية الإيمان بالمشاركة الشعبية في القرار وبالنظام الدستوري القائم من خلال انتخابات برلمانية حرة ونزيهة وذلك على نحو يخالف الفكرة السابقة التي تقوم على مخاصمة الديمقراطية والحريات العامة والتي تسيدت داخل أوساط الأسرة منذ وفاة الشيخ عبدالله السالم عام 1965 وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة بانتهاج أسلوب تجريد النظام الدستوري من محتواه مع الإبقاء على شكلياته فقط.

وفي تقديري الشخصي، أرى أن ما يحدث الآن هو بالفعل تطور سياسي إيجابي للغاية يوجب علينا أن نتفاعل معه إيجابا. لكن هذا التطور يحتاج إلى تقييم لاحق بعد أن يتعرض لاختبار في مواجهة الواقع السياسي. أقول هذا وأنا أضع في الحسبان الحديث الذي كان يدور قبل اعتصام النواب في مجلس الأمة بشأن التوجه نحو تعليق العمل بالدستور.

وأيا ما كانت حقيقة أحاديث تعليق الدستور السابقة، والغاية المقصودة من عبارة "ثقيلة الوقع والحدث"، فإنه يفترض بنا جميعا أن نتعامل الآن مع ما تم من إجراءات وليس مع ما قد يتم منها مستقبلا. والحقيقة أن الإجراءات التي اتخذت حتى الآن من قبل صاحب السمو أمير البلاد (حل مجلس الأمة والتعهد بعدم التدخل في الانتخابات وتعيين الشيخ أحمد النواف رئيسا للحكومة)، ثم قيام الحكومة بمحاولة "تنظيف" جداول الانتخاب، لا يترك لأي طرف خيارا سوى التفاؤل التام أو، في أقل الأحوال، التفاؤل الحذر.

والسؤال المهم الآن كيف يمكن لنا "استثمار" هذا التغيير لتحقيق نتائج إيجابية؟

إن محاولة تقديم إجابة واقعية على السؤال السابق تتطلب منا أولا فهم واستيعاب ما وراء "الحدث".

وفي محاولة الفهم هذه أرى أن أصل المسألة هو إدراك أن إدارة الدولة في عهد الشيخ صباح الأحمد رحمه الله كانت تتم عبر "طبقة سماسرة"، وهو الأمر الذي أضر كثيرا بمكانة أسرة الصباح قبل كل شيء آخر، كما أهدر مقدرات الدولة ووضعها رهينة الفساد المالي والسياسي الملاصق لتلك الطبقة، وجعل من "السماسرة" طبقة عليا في المجتمع تأمر وتنهي، ولها نفوذ في جميع مؤسسات الدولة وسلطاتها حتى أصبحت تزاحم الشيوخ في مكانتهم ومساحتهم. بل أن تلك الطبقة الطفيلية نجحت في إزاحة خصومها من الشيوخ وغيرهم، وإبعاد بعضهم عن البلاد عبر أسلوب الملاحقات السياسية بذرائع قانونية. كما تحالفت مع بعض الشيوخ من أصحاب الطموح السياسي والذكاء المحدود، فباتت تحكم باسم الحاكم لكن ليس لمصلحته ولا لمصلحة الدولة، بل تحقيقا لمصلحة "الطبقة"، وتمادت أكثر حين حاولت مد علاقاتها وتوسيع منطقة حركتها خارج الكويت.

 ونتيجة لهذا المنهج دفعت الكويت، وأسرة الصباح، ثمنا باهظا في مرحلة "حكم السماسرة"، فقد كانت الكويت ومعها أسرة الصباح، تتحمل تكلفة ممارسات وأخطاء "طبقة السماسرة"... فالغنم للطبقة والغرم للكويت وللشيوخ.

وأرى أنه بعد وفاة الشيخ صباح اختلفت الأفكار، فكان لابد من إنهاء عهد "السماسرة"، وبالتالي إعادة ضبط مكانة الأسرة في المجتمع، واستعادة دورها في ممارسة الحكم مباشرة وليس من خلالهم، فجاء حل مجلس الأمة خطوة أولى، ثم اختيار الشيخ أحمد النواف، وهو خصم "لطبقة "السماسرة"، رئيسا للحكومة كخطوة ثانية. أما الخطوة الثالثة فقد بدأت فعلا وهي إزاحة كافة أعوان وأدوات "السماسرة" من مناصبهم وكذلك أصحاب الولاء المزدوج.

ولضمان نجاح هذا التحول الإيجابي الكبير كان لابد من إعادة صياغة العلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب والتخلي عن الخصومة السابقة مع مجلس الأمة.

والآن، وبصرف النظر عن مدى دقة التحليل السابق، كيف يمكن لنا أن نستثمر هذا التحول الإيجابي، "الفكرة الجديدة"، وجعله نهجا جديدا وعقيدة سياسية في حكم الدولة وإدارتها من أجل تحقيق تنمية ورفاهية الكويت وضمان الاستقرار؟

ربما أتمكن من الإجابة على هذا السؤال في مقال آخر.