loading ..loading
من أوراق قضية "دخول المجلس" (1)
15th December 2017

بصفتي وكيلا عن عدد من المحكوم عليهم في قضية "دخول مجلس الأمة"، تقدمت بمذكرات بأسباب الطعن بالتمييز على الحكم الصادر من محكمة الاستئناف بإدانتهم وحبس معظمهم. وفي تلك المذكرات، عرضت أهم أوجه مخالفة القانون التي شابت ذلك الحكم.  ولأن بعض المخالفات تعتبر جسيمة ويتعدى أثرها الشخص المعني ويطال النظام القانوني برمته، ونظام التقاضي وإجراءاته، فقد رأيت أنه من الأهمية عرض نماذج منها هنا بشكل مبسط.

 الورقة الأولى: إعلان المتهمين أمام محكمة الاستئناف

لفت انتباهي، في محضر جلسة 9/10/2017 التي خصصتها محكمة الاستئناف للمرافعة، أن عدد المتهمين الذين حضروا تلك الجلسة كان لا يتجاوز (10) متهمين فقط من أصل (69) متهما. وعلى ضوء ذلك بحثت في أوراق الدعوى لمعرفة ما إذا تم إعلان جميع المتهمين إعلانا صحيحا أم غير ذلك، فتبين لي ما يلي:

  • هناك عدد من المتهمين لم يتم إعلانهم بجلسات محكمة الاستئناف إطلاقا، ولم يحضروا أي جلسة

  • هناك عدد من المتهمين تم إعلانهم في مواجهة النيابة العامة بالمخالفة للقانون

  • هناك عدد من المتهمين تم إعلانهم عن طريق مخفر الشرطة

  • هناك عدد من المتهمين تم تسليم إعلاناتهم للعاملين في منازلهم بالمخالفة للقانون

  • هناك عدد من المتهمين تم إعلانهم إعلانا صحيحا واستلموا الإعلان شخصيا

  • هناك عدد من المتهمين لم يتم إعلانهم، أو كان إعلانهم باطلا، لكنهم حضروا الجلسات

وبالطبع، فإنه بالنسبة للمتهم الذي لم يتم إعلانه، تعتبر إجراءات المحاكمة باطلة بالنسبة إليه، ويبطل كذلك الحكم الصادر بإدانته من محكمة الاستئناف.

كذلك هو الحال بالنسبة لمن تم إعلانه في مخفر الشرطة أو في مواجهة النيابة العامة من دون استيفاء المتطلبات القانونية لهذا الطريق الاستثنائي من طرق الإعلان.

وكذلك تعتبر إجراءات المحاكمة باطلة، والحكم الناتج عنها بالإدانة أيضا، إذا كان قد تم إعلان المتهم في منزله وكان المستلم (السائق) أو (الطباخ) أو (مدبرة المنزل) أو (الزوجة) أو (الأم) أو (الأخت)، فهذا الإعلان لا يعتد به قانونا، لأن القانون يشترط تسليم الإعلان، في المواد الجزائية، للمتهم شخصيا، أو لواحد من (الأقارب) (الذكور) (البالغين) (القاطنين) معه.

وبالطبع، فإن حضور المتهم جلسات المحاكمة يطهر الإعلان من البطلان أيا كان سببه.

وبالاطلاع "الأولي" على بيانات إعلان جميع المتهمين، تبين لي أن هناك قدرا كبيرا من "الاضطراب والفوضى" في الإعلانات.

مثال: في إعلان يخص أحد المتهمين، دوّن مندوب الإعلان أنه ذهب إلى منزل المراد إعلانه الساعة 8,45 صباحا ولم يستدل على العنوان. وفي الساعة 9,30 صباح اليوم ذاته، تم إعلان المتهم مباشرة في مواجهة النيابة العامة. ثم في الساعة 11,20 تم تسليم الإعلان في منزل المتهم "للسائق".

إن هذا الإعلان باطل من الناحية القانونية ولا يعتد به لأن السائق ليس من أقارب المراد إعلانه، وبالتالي فإن إجراءات محاكمة هذا المتهم باطلة، وكذلك الحكم الصادر بحبسه.

مثال آخر: ذهب مندوب الإعلان إلى منزل المتهم. تم إبلاغه من قبل امرأة، رفضت بيان اسمها أو علاقتها بالمتهم، أن المراد إعلانه لا يقيم في المنزل. فأعاد المندوب الإعلان إلى المحكمة ولم يعلنه لا في مواجهة النيابة العامة ولا في مخفر الشرطة. فقط اكتفى بإعادة الإعلان إلى ملف الدعوى.

هنا نحن أمام حالة لم يتم فيها إعلان المتهم، وبالتالي فإن إجراءات محاكمة هذا المتهم باطلة، وكذلك الحكم الصادر بحبسه.

وبالاطلاع على البيانات المدونة في أوراق الدعوى، تبين التالي:

عدد الإعلانات التي تم استلامها من قبل المتهمين شخصيا: (7) إعلانات فقط

عدد الإعلانات المسلمة إلى "الخادم": (17) إعلان

عدد الإعلانات المسلمة إلى "أحد المعارف": (21) إعلان

إجمالي الإعلانات السابقة: (7+17+21= 45)

أما بالنسبة لإعلانات باقي المتهمين وعددهم (24)، فإن بعضها لم يتم إطلاقا، وبعضها تم لدى مخفر الشرطة، وبعضها تم في مواجهة النيابة العامة.

وبالنسبة للإعلانات التي تمت في مواجهة النيابة العامة، فإن محكمة التمييز تشترط لصحة هذا الإعلان الاستثنائي أن يجري مندوب الإعلان تحرياته لمحاولة معرفة العنوان الصحيح للمراد إعلانه قبل تسليم الإعلان إلى النيابة العامة. فإذا ثبت أن المندوب قام بتسليم الإعلان مباشرة إلى النيابة، فإن هذا الإعلان باطل على نحو تبطل معه إجراءات المحاكمة ويبطل الحكم الصادر بالإدانة.

أما الإعلانات التي تتم لدى مخفر الشرطة، فيجب استيفاء إجراءات معينة مثل إرسال خطاب بالبريد المسجل للمتهم خلال (24) ساعة يفيد إيداع الإعلان لدى المخفر.

ولأن القانون يوجب على محكمة الاستئناف، قبل أن تفصل في الدعوى في غيبة المتهم أن تتأكد من إعلانه ومن صحة هذا الإعلان، فإن هي غفلت عن ذلك، وكان الإعلان لم يتم، أو كان باطلا، فإن إجراءات محاكمته تكون باطلة، وكذلك يبطل الحكم الصادر بإدانته.

ولأنه ثبت أن بعض المتهمين لم يتم إعلانهم إطلاقا، كما ثبت أن إعلان معظم المتهمين جاء باطلا،

ولأن محكمة الاستئناف لم تتحقق من تمام الإعلانات ولا من صحة ما تم منها، وأصدرت حكمها بالحبس، فإن من شـأن هذا أن يؤدي إلى بطلان إجراءات المحاكمة وبطلان الحكم بالنسبة لمن لم يتم إعلانه أو من تم إعلانه على نحو باطل بشرط ألا يكون قد حضر جلسات المحاكمة أمام الدائرة التي أصدرت الحكم.